الصفحة الرئيسية • وجهة نظرأقلام وآراء الشبيبة الرأسمالية وتسليع صحة الانسان

الرأسمالية وتسليع صحة الانسان

كتبه saad mertah

أناس عوينات

1- التدخل السافر لرأسمال يفجر أسعار الأدوية الأصلية

   سنة 2013 اخترع المختبر الأمريكي AFM téléthon عقارا لعلاج أحد الأمراض الناذرة الذي يؤدي إلى وفاة الأطفال في سن جد مبكرة. وبعد إنجاز المراحل الأولى لتجربته على الفئران والتي كلفت المختبر 12 مليون دولار. باع هذا المختبر تجربته للشركة الأمريكية أيضا Avexis  مقابل 15 مليون دولار و%5 من عائدات بيع الدواء. وأنجز هذا المختبر المراحل الموالية للتجربة بتطبيقه على الأطفال بتكلفة مالية قدرها 500 مليون دولار. ليتم بيعه في النهاية بعد أن صار جاهزا للتسويق، لشركة أمريكية أخرى وهي شركة Novartis ب 8 ملايير دولار. وهي الشركة التي تسوقه اليوم بمليوني دولار أمريكي للعلاج. بعد أن استفادت من رخصة احتكار لمدة 20 سنة.

   هذا نموذج واحد من عشرات الاختراعات الصيدلانية التي يؤدي تدخل الجشع الرأسمالي فيها إلى ارتفاع مهول لأسعار التسويق.

   وليست معضلة ارتفاع أسعار الأدوية الناتج عن المتاجرة في حقوق الملكية، هي المعضلة الوحيدة ولا الخطيرة التي ابتلي بها مجال البحث الطبي والصيدلي. جراء تحكم قانون السوق. بل الأخطر من ذلك. هو أن الشركات تحتكم للطلب والسوق وقياس معدلات الربح والخسارة قبل الدخول في أية تجربة صيدلانية لتبقى الأمراض الناذرة وضعيفة الانتشار بدون علاج، في حين تتسابق هذه الشركات لاكتشاف علاجات للأمراض والأوبئة واسعة الانتشار.

2- أسعار الأدوية الجنسية في المغرب جد مرتفعة

   بعد انتهاء مدة 20 سنة على تسجيل براءة اختراع علاج معين، يسمح لباقي الشركات عبر العالم بتصنيع أدوية جنيسة، وهي أدوية مماثلة للأصلية وتحتوي على نفس المادة الفعالة للأصلية أو أخرى مشابهة لها.

   في السنوات الأخيرة عرف المغرب تطورا ملحوظا في صناعة الأدوية الجنيسة حيث ارتفع عدد المختبرات من 4 مختبرات من بينها مختبر واحد مغربي، إلى 40 مختبرا من بينها 20 مختبرا مغربيا. وتنتج هذه المختبرات معظم الأدوية الجنيسة الموجودة. ويقل ثمن الأدوية الجنيسة بالمغرب عن الأصلية ب % 40 في المعدل. إلا أنه يظل مرتفعا إذا ما تمت مقارنته بكل من الجزائر وتونس وحتى تركيا. والسبب في ذلك أن تحديد سعر الأدوية في المغرب يتم من خلال مقارنة أسعارها في ستة دول واعتماد المعدل. و هذه الدول هي: فرنسا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا والسعودية وتركيا. والظاهر من اختيار هذه الدول دون غيرها أن الدولة خضعت في ذلك للوبيات صناعة الأدوية بالمغرب الذين وعلى حساب صحة المغاربة يراكمون أرباحا خيالية.

3- التجريب على البشر وضعف الشرعة الدولية

   تعتبر الشرعة الدولية المنظمة لعمليات التجريب الطبي والصيدلي على البشر جد فقيرة إذ لا تحتوي إلا على ثلاث وثائق ليست لها صفة الإلزامية مثل الاتفاقيات والعهود الدولية لحقوق الإنسان، فهي مجرد إعلانات تضم عددا من الأخلاقيات والمعايير التي يجب أن تحكم التجريب على البشر.

ففي سنة 1947 أصدرت المحكمة الجنائية بمدينة نورمبرك الأمريكية حكما في إحدى القضايا المتعلقة بالتجريب على البشر والذي، في جزء منه، ضم لائحة بعشرة مبادئ أخلاقية ينبغي احترامها أثناء التجريب على البشر. وقد تم اعتماد هذه اللائحة فيما بعد مرجعا لقياس مدى أخلاقية وقانونية التجارب الطبية على البشر في باقي أنحاء العالم .

   وفي سنة 1964 قامت منظمة الصحة العالمية بإتمام و تدقيق قانون “نورمبرك” وذلك بتسطير إعلان “هيلسينكي” واعتماده مرجعا عالميا وحيدا في الموضوع. إلى غاية سنة 1981 حيث سيتم اعتماد إعلان آخر اختص بالتجريب على البشر في الدول النامية وهو إعلان “Manille “.

   تتمحور بنود هذه الوثائق الثلاث التي تشكل الشرعة الدولية للتجريب الطبي والصيدلى على البشر حول أربعة مبادئ أساسية وهي: أولا “التطوعية” حيث لا ينبغي تعريض الأشخاص المحتمل إخضاعهم للتجربة لأي نوع من أنواع الإكراه وهو ما يفترض أن يكون المتطوع حرا وعاقلا. ثانيا: “الموافقة المستنيرة” والتي تعني أن موافقة الأشخاص على الخضوع للتجربة يجب أن يكون بعد إطلاعهم على كل حيثيات التجربة من المعلومات المتعلقة بالمرض والعلاج المفترض حتى تلك المتعلقة بالجهة أو الجهات المسئولة عن التجربة ومصادر تمويلها. ثالثا: “حماية المتطوع” وهو ما يقتضي تجنب تعريض حياة المتطوع وصحته للخطر عبر الاستعداد لإيقاف التجربة كلما شعر المسئول عنها بوجود خطر ما، وتستوجب أيضا حماية خصوصيته. رابعا و أخيرا: “التعويض المالي”.

   هذا وشكلت مسألة التجريب الطبي والصيدلي على البشر مثارا للجدل إلى اليوم. وحيث لا يمكن اعتماد دواء معين لمعالجة الناس بمجرد التأكد من سلامته ونجاعته على الحيوانات. فإن اللجوء للتجريب على البشر شكل دائما معضلة أخلاقية كبيرة مما قد يترتب عنه من أذى بالغ الخطورة على صحة وحياة من سيتعرضون لبعض هذه التجارب وهو ما حدث فعلا مرارا في تاريخ التجريب على البشر.

   يمر تجريب العقارات على البشر بعد استكمال عملية التجريب على الحيوانات  بأربعة مراحل كما حددتها هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية FDA، حيث تتم المرحلة الأولى التي تعتبر أكثر المراحل خطورة على ما بين 20 و80 شخص للتأكد من سلامة العقار، وتتم المرحلة الثانية على ما بين 100 و400 شخص للتأكد من فعاليته، أما المرحلة الثالثة فتتم على ما بين 1000 و3000 شخص للتأكد النهائي من سلامة وفعالية العقار. وفي المرحلة الرابعة والتي تسمى مرحلة التسويق فيتم خلالها التجريب على أعداد كبيرة من الناس بهدف التريج للعقار وهي المرحلة الأخيرة والآمنة.

4- الشركات الرأسمالية وأخلاقيات التجريب الصيدلي

   بفعل عمليات التجريب الصيدلي والطبي المتكررة في أفريقيا من طرف الشركات العالمية للأدوية. والتي، في معظمها، لا تحترم أدنى مبادئ الأخلاق والشرعة الدولية، تحولت القارة الأفريقية إلى مستنقع للأوبئة، حيث تعرف انتشار أزيد من 25 وباء قاتل. وهو الأمر الذي أكده تحقيق لوكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” في أكتوبر 2017 والذي يؤكد أن عمليات التجريب المتكررة بإفريقيا أدت إلى تحور عدد من الفيروسات والأمراض التي تحولت إلى أوبئة جديدة فتاكة.

   وفي يونيو 2006 نشرت جريدة Le Monde Diplomatique، تقريرا قالت فيه أن سبب تهافت الشركات والمختبرات على تجريب أدويتها الجديدة في أفريقيا يرجع لسببين أساسيين، أولهما: أن اللوائح الطبية والصيدلانية في معظم الدول الأفريقية تم وضعها في الحقبة الاستعمارية ولم يتم تعديلها أبدا وبالتالي فهي قديمة وتسمح بانتهاك كل أخلاقيات التجريب على البشر مع غياب قوانين إلزامية تؤطره. والثاني هو أن التجارب في أفريقيا تتم بتكلفة رخيصة جدا بالمقارنة مع باقي دول العالم، فبسبب انتشار الأمراض والفقر يقبل الناس بثمن قليل مقابل تعريض حياتهم للخطر في التجارب، هذا إن تم إخبارهم أصلا أنهم يخضعون للتجربة، وإلا فإنه في معظم الحالات لا يعرف الناس أنهم فئران لتجارب هذه الشركات وقد لا يتم تعويضهم نهائيا حيث يستفيد الوسيط المحلي وحده من التعويض.

   فمثلا خلال سنتي 2004 و 2005 ، أوقفت الكامرون وكامبوديا التجارب السريرية التي شرعت في تطبيقها شركة Gilead science  الأمريكية لدواء “تينوفوفير” لعلاج الإيدز بسبب الخروقات القانونية والأخلاقية الخطيرة التي أحاطت بالتجربة، ومن بينها، أن الأشخاص الذين خضعوا للتجربة، والذين هم إما ناطقين بالفرنسية أوأميين، تلقوا وأمضوا على ورقة المعلومات حول التجربة مكتوبة باللغة الإنجليزية. وقد استمرت هذه التجارب والتي أشرفت عليها وكالة الرابطة الدولية لصحة الأسرة بتمويل من الحكومة الأمريكية ومؤسسة بيل وميليندا غيتس في كل من بوتسوانا ومالاوي وغانا.

خلاصة:

   مثل باقي القطاعات الاقتصادية في النظام الرأسمالي، يتحكم قانون السوق في التحديث والبحث العلمي في مجال الصيدلة حيث لا تهم محاربة الأمراض وإيجاد العقاقير لها بقدر ما تهم شساعة سوق العقارات المفترض البحث عنها، فلا يمكن لشركة رأسمالية أسست بهدف الربح ومراكمة فائض القيمة أن تستثمر أو تمول أبحاثا عن أدوية قد لا يستعملها إلا عدد قليل من الناس وبالتالي تكون غير مدرة للأرباح.

   كما يتحكم الجشع وهاجس توسيع فائض القيمة في تجريب وتسويق العقارات حيث تعمل الشركات على تخفيض تكلفة الإنتاج ما أمكنها ذلك، وهو ما يدفعها للتجريب في الدول الفقيرة حيث تكاليفه جد منخفضة، وبالمقابل تجد الشركات تنفق على إشهار عقاقيرها أضعاف أضعاف ما تنفقه على جميع مراحل الإنتاج من التجريب حتى التعليب، وبسبب رخص الاحتكار التي تخولها براءة الاختراع والتي تستمر لمدة 20 سنة فإن أثمان الأدوية تعرف ارتفاعا كبيرا جدا لا علاقة له بمستوى تكاليف الإنتاج.

   وفي الختام يبقى القضاء على الرأسمالية الطبية والصيدلانية هو السبيل الوحيد لأنسنة مهنة أبيقراط وابن سيناء العظيمين من جديد.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا