نشر هذا المقال بجريدة النهج الديمقراطي عدد : 238 أبريل 2017
أي دور للشبيبة لتجاوز تشرذم اليسار بالمغرب ؟
يونس سالمي
بحكم وضعيتهم الاجتماعية والعمرية ، يعتبر الشباب أكثر فئات المجتمع حساسية من تغيرات الظروف الاقتصادية و السياسية ، هذه الوضعية التي تجعلهم في مقدمة النضالات من أجل تحسين ظروف عيشهم .
بالرجوع الى تاريخ نضالات الشعوب ضد الاستعمار المباشر تبين لنا هذه التجارب ما للشبيبة من أدوار طليعية في تفجير معارك العمال و الفلاحين والكادحين ، لقد أعلنت حركة 4 ماي بالصين سنة 1919 رفضها لتفويت شمال الصين للامبريالية اليابانية ضمن صفقة فيرساي،وانطلق الشباب الثائر يندد بالاستعمار الاجنبي لتنظم له الملايين من الفلاحين و العمال و التجار في ثورة شملت جميع الاراضي الصينية ، غير أن الهزيمة لم تكن بغير ثمن، فقد طرح سؤال على الشباب ولا سيما الشباب الماركسي مفاذه: لماذا فشلت الثورة كسابقتها ( 1911 ) وأين الخلل ؟ وبالفعل استطاع الثوريون وخاصة الشباب منهم الاجابة عنه سنة 1921 بتأسيس الحزب الشيوعي الصيني ( متوسط عمر المؤتمرين في المؤتمر التأسيسي 26 سنة ! ) . أي الاجابة على معضلة القيادة الفكرية و السياسية لنضال الجماهير .
لقد بين تاريخ المغرب كذلك أن الشبيبة المغربية وخاصة الشبيبة التعليمية كانت الشعلة التي فجرت العديد من الانتفاضات الشعبية ضد دولة المعمرين الجدد كانت انتفاضة 23 مارس 1965 أولها . غير أن قمع الانتفاضة طرح نفس السؤال اعلاه ، أين الخلل ؟ ولماذا توالت الهزائم ؟ هذه الاسئلة دفعت بالشباب الماركسي داخل الاحزاب الاصلاحية للانتفاض والبحث عن البديل الثوري لقيادة نضالات الشعب المغربي ليؤسس بعد ذلك الحركة الماركسية اللينينية المغربية التي قدمت الاجابة الصحيحة رغم أنها لم تتقدم في انجاز مهمتها المركزية أي تأسيس الحزب البروليتاري المغربي .
إن الدينامية النضالية التي خلقتها حركة 20 فبراير بينت حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد سوى المتعنتين ! لقد لعب الشباب دورا طليعيا فيها ، وما معنى الدور الطليعي ؟ إنه دور المفجر، السير في مقدمة النضالات و الذهاب الى أعمق الاحياء الشعبية و الصناعية واستنهاض الجماهير لينضموا الى الحركة . وماهو الدور الذي لعبه اليسار وشبيبته فيها ؟ لقد ظل اليسار تائها وسط هذه الحركة العظيمة ينكش أنفه ويراقب بدهشة كيف ولد الشعب المغربي شبابا قياديا لحراكه لقد ظل اليسار مشتتا وتائها، فلا ضرر أن نصرخ بهذه الحقيقة المؤلمة !
فهل لازالت هذه الوضعية قائمة اليوم ؟ في اعتقادنا ان هذه الوضعية بدأت بوادر تخلخلها عبرت عنها العديد من المؤشرات النضالية التي كان الشباب اليساري في قلبها .
لكن ماهي المعيقات التي مازلت تلازمها ؟ من أبرز المعيقات التي تواجه وحدة اليسار اليوم بشكل عام والشباب اليساري بشكل خاص هي النظرة المضببة حول مفهوم اليسار ومحدداته عند اغلب المناضلين – ات ، فلازال العديد منهم يخلطون بشكل فج بين اليسار الماركسي ( الثوري ) و اليسار بشكل عام ، وهذا الخلط نابع من من نظرة فلسفية مثالية تنطلق في تحديد الاشياء من الفكر و ليس من الواقع ، فبعض التيارات اليسارية اليوم تنطلق في تحديد اليساري من غيره في مدى إيمانه بالمشروع الاشتراكي والشيوعي ، واخرى تنطلق في تحديدها لليساري في مدى قدرته على ترديد وحفظ الكتب الماركسية وانتاج الكراريس التي تشرح أزمة النظام الرأسمالي و الصراع بين البرجوازية و البروليتارية …وبذلك تخلط بين مستويات وحدة الماركسيين-ات ومستويات وحدة الديمقراطين اليساريين .
فما معنى " تنطلق من الفكر وليس من الواقع " ؟ إن طبيعة المهام التي تفرضها المرحلة التي يجتازها المغرب بما هي مهام النضال من أجل الديمقراطية و التحرر الوطني من نير المخزن وحليفته الامبريالية الفرنسية و الامريكية تجعل من مفهوم اليسار ، مفهوما واسعا نوعا ما مقارنة بالدول التي حققت المهام الديمقراطية ذات الطبيعة البرجوازية ، أي أن مفهوم اليسار يمكن أن ينطبق على كل من يناهض المخزن من القوى التي تمثل وتناضل من أجل مصالح الطبقات الشعبية الآنية والاسترتيجية وتدافع على قيم التقدم والحرية والعلمانية والمساواة والكرامة و الشفافية وهذه القوى لا يوضع كشرط لبناء وحدتها مهمة الاتفاق حول الماركسية او بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة، فهذه شروط يمكن ان توضع على عاتق الشيوعيين – ات وليس القوى التي تناضل من أجل التنوير أو المساواة او التحديث و الحرية والاستقلال الوطني… الى غير ذلك من المطالب التي في جوهرها هي مطالب تعبر عن مرحلة البرجوازية الوطنية .فهل الشرط الذي وضع لتشكيل الجبهة المتحدة في الصين هو الماركسية ؟ لا بكل تأكيد إنه شرط مناهضة الاستعمار الياباني ، وقد أطلق على اليسار و " قوى التقدم و الديمقراطية " على كل من يؤمن ويعمل لأجل هذه المهمة . فهل الشرط الذي وضع لتشكيل الجبهة الوطنية في فرنسا هو شرط بناء الاشتراكية ؟ لا بكل تأكيد إنه شرط مناهضة الفاشية و النازية الصاعدة في أروبا بشكل عام وفي فرنسا بشكل خاص وقد أطلق مفهوم " اليسار " على كل المثقفين الليبراليين وممثلي الفئات البرجوازية والاشتراكية الديمقراطية و اليسار الاصلاحي الذي يؤمنون ويجسدون مهمة التصدي لصعود النازية في فرنسا .
إن تجاوز وضعية اليسار بالمغرب رهين بتجاوز هذه النظرة التي أفقدت اليسار الماركسي بريقه ومبادرته وتأثيره وسط الشباب ووسط الجماهير الشعبية ، إن نذرة المبادرات التي تسعى الى توحيد الماركسيين المغاربة شكلت عاملا أساسيا في سيادة هذه النظرة. إن المبادرات التي أطلقت في الحركة الطلابية وفي حركة المعطلين وعلى مfستوى الشبيبات اليسارية خلال الندوات المشتركة و وتبادل الدعوات للحضور في المناسبات النضالية، أبانت أن الشباب الثوري بدأ ينتفظ على واقع اليسارالمشتث والمتقوقع و المنعزل فكرا وممارسة ، فمن الحراك الشعبي بسوس يوم 28 أكتوبر مرورا بالرباط وصولا الى الحراك في الريف بين الشباب أنهم بدأوا يتلمسون أولى نقاط ضعفهم، وهي غياب التنسيق وسط معارك الجماهير الشعبية . فرغم ما يعنيه ذلك من تقدم إلا انه لازال يعاني من المناسباتية و الاجرائية أي التنسيق في الخطوات الاجرائية التي وجب اتخادها دون توسيع هذا التنسيق ليشمل رسم الاهداف العامة الموجهة لهذه النضالات وتوسيعه ليشمل باقي واجهات النضال النقابية و الحقوقية .
إن هذا التململ الذي يعشه واقع اليسار اليوم ، يطرح أكثر من أي وقت مضى ضرورة وحدة الشبيبة الماركسية كمقدمة لبناء وحدة القوى المناهضة للمخزن ، هذه المستويات التي لا يجب النظر لها بمعزل عن بعضها البعض بل يجب تتبع ترابطها الجدلي المستمر، إن التقدم في بناء الاولى يعبد الطريق لتشكيل الثانية ، و التقدم في تشكيل الثانية يعمق ويطور الاولى .