في كل بقاع العالم تخلد الحركة النسائية، ومعها كل الحركة التقدمية، اليوم العالمي للمرأة ــ 8 مارس ــ الذي سجل في التاريخ بفضل نضالات النساء العاملات وخاصة منهن الشهيدات من أجل الحقوق والكرامة. فهو اليوم الذي أصبح مناسبة عالمية بفضل النساء الاشتراكيات وفي مقدمتهن المناضلة كلارا زتكين التي دعت مؤتمر الأممية الاشتراكية المنعقد سنة 1910 إلى جعل 8 مارس من كل سنة يوما عالميا للمرأة، وتبنته بعد ذلك البورجوازية محاولة بإعلامها السائد في المجتمعات الطبقية محو العمق الكفاحي لهذا اليوم، وتمييع تاريخه النابع من معاناة النساء العاملات وصمودهن، معتمدة على الهيمنة الفكرية والإيديولوجية للبورجوازية ونظامها الرأسمالي الجامح نحو الربح والمندفع بعنف ساحق لكل شيء من أجل الاستمرار.
في ظل هذا الصراع، ستظل الحركة النسائية المناضلة ضد كل أشكال الاضطهاد والاستغلال، تخوض معركة إيديولوجية تفضح مخططات تحويل اليوم النضالي النسائي 8 مارس إلى مناسبة للاتجار ومراكمة الأرباح واستغلاله عكس أهدافه الأصلية، في تعطيل وعي النساء وعرقلة تمكنهم من أدوات النضال ضد البطرياركا، الحليف التاريخي للرأسمالية، وضد الفاشية الصاعدة وكل الحركات المعادية للحرية والكرامة الإنسانية. إنها معركة ضد السطو على تاريخ الشعوب والفكر الاشتراكي الإنساني والتاريخ النسائي اليساري.
إن القطاع النسائي للنهج الديمقراطي، كجزء من هذه الحركة النسائية، المناهضة لكل أشكال الاضطهاد والاستغلال والتمييز ضد النساء، تخلد هذا اليوم النضالي في ظرفية عالمية تتميز في نفس الوقت، من جهة باختلال موازين القوى لصالح الرجعية واليمين المتطرف، ومن جهة أخرى بتصاعد نضالات الشعوب وانطلاق موجة جديدة من الانتفاضات في عدد من الدول تحتل فيها النساء موقعا أساسيا رغم كل أشكال الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحول دون مشاركتها في النضال دون تضحيات أكبر من تضحيات الرجال.
إن القطاع النسائي للنهج الديمقراطي، وفي إطار البعد الأممي للفكر الاشتراكي الذي يتبناه كجزء من تنظيم ماركسي، يسجل تضامنه مع نضال النساء ضد البطرياركا والرأسمالية والأمبريالية والفاشية الصاعدة والاحتلال والعنصرية والتمييز بكل أشكاله، أينما كانت، مسجلا باعتزاز :
ــ نضال النساء في السودان المنخرطات في قيادة الثورة في وجه الاستبداد ومن أجل إسقاط نظام البشير الدكتاتوري
ــ نضال النساء في الجزائر المشاركات بقوة في انتفاضة الشعب الجزائري ضد نظام العسكر المسيطر على الشعب وثرواته،
ــ نضال النساء الفلسطينيات البطولي وإبداعهن الثوري في انتفاضة العودة الكبرى لأشكال مقاومة متجددة، واسترجاع المناضلة الفلسطينية اليسارية خالدة جرار لحريتها بعد الاعتقال الإداري التعسفي الي تعرضت له
ــ نضال المدافعات عن حقوق الإنسان السعوديات اللواتي يتلقين أبشع أصناف التعذيب في سجون النظام القروسطي الجاثم على شعبهن، والموغل في الجريمة السياسية وفي خيانة الشعب الفلسطيني إلى أدنى المستويات،
ــ نضال النساء في البرازيل اللواتي سجلن ملحمة في تاريخ النضال النسائي بأمريكا الجنوبية بخروجهن في أكبر مواجهة ضد الفاشية الصاعدة في البرازيل
وفي المغرب، يأتي اليوم العالمي هذه السنة في ظرفية لازالت النساء تحلمن فيها بلقمة عيش لا تقدمن من أجلها حياتهن في معبر سبتة المحتلة، وفي الطرقات بسبب حوادث نقل العاملات، وفي المناسبات المذلة الخاصة بتوزيع الصدقات، وفي الاحتجاجات التي تقمع بالقوة القاتلة، أو برصاص حراس الحدود عندما يخترن البحث عنها بعيدا.
يأتي 8 مارس في ظرفية يواصل فيها النظام الحاكم تجاهله لمطالب النساء في الشغل بكرامة، وفي التغطية الاجتماعية، والحق في السكن اللائق، والحق في مدرسة عمومية لأطفالهن ذات جودة ولا تتطلب مشيهم لساعات، وبنيات استشفائية تقيهن من الولادات في ظروف مهينة وحاطة بالكرامة ومهددة لحياتهن، والحق في الحماية من العنف والتحرش والابتزاز الجنسي واستباحة حرمة أجسادهن.
ويأتي اليوم العالمي للمرأة أيضا في ظرفية تمعن فيها السلطة على تسييد مخططاتها التشريعية المذلة للنساء، من قانون مناهضة العنف ضد النساء الذي رفضته جميع الجمعيات النسائية والتنظيمات الديمقراطية، وقانون تنظيم الشغل في البيوت الذي شرعن استغلال الطفلات بالقانون، واستمرار قوانين رجعية كمدونة الأسرة التي لم تغير من واقع معاناة النساء في الأسر شيئا بل عمقت آفة الاغتصاب المقنن للطفلات عبر ما يسمى بتزويج القاصرات، ولم تنقذ النساء من مشاكل النفقة والطلاق والإرث والولاية عن الأبناء التي يستولي عليها الأب دون الأم وإن كانت هي الحاضنة لهم، قانون هيئة المناصفة ومناهضة كل أشكال التمييز الذي سيظل قانونا شكليا مثله مثل الفصل 19 من الدستور الذي اعتمد عليه والذي يبثر المساواة بين الجنسين على مقاس النظام السياسي السائد.
ويأتي هذا اليوم النضالي والنساء لم تبرحن ساحة النضال في عدد من المداشر والقرى التي خرجت فيها الساكنة للاحتجاج ضد الفقر والتهميش وفي شوارع الرباط التي ملأتها الأستاذات اللواتي فرض عليهن التعاقد إلى جانب زملائهن الرافضين لعقود الذل والإذعان، والعاملات الزراعيات اللواتي نظمت الألاف منهن الاعتصامات والإضرابات ضد جشع الرأسمال عبر شركاته العابرة للقارات، والنساء في القرى الصادحات حناجرهن من أجل الخدمات الاجتماعية والحق في حياة كريمة، والنساء السلاليات المواصلات لمعاركهن ضد جشع الشركات العقارية القوية وذوي النفوذ…وغيرهن من المعارك والنضالات.
ويأتي هذا اليوم وأمهات وزوجات وبنات المعتقلين السياسيين، من صحفيين ومعتقلي الحراكات الشعبية، لازلن صامدات مطالبات بالحرية لأبنائهن الأبطال، منهن أمهات وقريبات معتقلي الريف بالدار البيضاء اللواتي يتلقين سياسة انتقام النظام من أبناءهن بإرغامهن قطع آلاف الكلومترات أسبوعيا لزيارة أهاليهن المعتقلين، والضغط عليهن وتهديدهن في الطرقات..
إن القطاع النسائي للنهج الديمقراطي، إذ يحيي عاليا صمود النساء المغربيات في مختلف مواقع النضال والكفاح الذي يخضنه بشتى الأشكال وفي مختلف المستويات،
ــ يجدد العهد بالاستمرار في النضال إلى جانب النساء المكافحات ضد الاستبداد والفساد والظلم والقهر وكل أشكال التمييز معتبرا أن قوة النساء ــ اللاتي يناضلن في جميع أنحاء العالم بأجسادهن وأصواتهن لإدانة التحرشات وممارسات القتل النسائية ــ تسلط الضوء على أهمية مواجهة هذا العنف بكافة أبعاده، باعتباره جزءا من النضالات المناهضة للنظام السائد.
ــ يعبر عن إدانته لكل السياسات الطبقية للنظام التي تستعمل النساء حطبا لمخططاتها المعتدية على حقوق الشعب المغربي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية
ــ يضم صوته لصوت المسيرة العالمية للنساء التي يشكل جزءا منها، للتأكيد على ما تتطلبه هذه اللحظة من تكثيف للمقاومة النسوية والشعبية وتعزيز تحالفاتهما وبناء حركة عالمية دائمة كاستراتيجية لمواجهة قوة هذا النظام المهيمن الذي يعمق من طابعه الإمبريالي يوما بعد يوم.