الرئيسية » اجماع وطني أم صراع طبقي – سعد مرتاح

اجماع وطني أم صراع طبقي – سعد مرتاح

كتبه saad mertah

بعد تفشي فيروس كورونا بالمغرب، سارعت الدولة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات أبرزها إعلان حالة الطوارئ الصحية. إجراءات استخدم فيها المخزن ترسانته الأمنية والعسكرية والإعلامية والإيديولوجية. وكالعادة انخرطت القوى السياسية المستفيدة من بقاء النظام المخزني، داعية أن هناك إجماع وطني خلف قيادة رئيس الدولة، في محاولة لطمس حقيقة من أوصل القطاع الصحي ومختلف القطاعات الاجتماعية الحيوية إلى هذه الحالة. وفي هذا المقال سنتحدث أولا عن تاريخ الشعارات الوطنية الزائفة والتي كان يستخدمها المخزن كمناورات تكتيكية – للحد من تناقضاته الداخلية وعزلته -، في أبرز فترات تاريخنا السياسي الحديث، ثم عن الطبيعة السياسية للمخزن وكتلته الطبقية التي يستحيل التحدث في ظل بقاءها عن أي توافق أو وحدة أو إجماع.

I- تاريخ الإجماع الوطني

  • حكومة “الوحدة الوطنية” إبان الاستقلال 1957:

غداة الاستقلال بدأت سلطة الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار تتهيكل وتريد والاستحواذ على كل السلط، لذا كان من الضروري عليها تحطيم أو احتواء التنظيمات المستقلة التي أسسها الشعب المغربي إبان كفاحه المرير من أجل الاستقلال، لهذا لجأ أول مرة إلى طرح شعاراته الكاذبة التي تمثلت آنذاك في “الوحدة الوطنية” والتي كانت المفضلة أيضا لدى النظام الفرنسي. فماذا حدث عندها (تفكيك أجهزة المقاومة المسلحة، إقرار بحق الملك في تعيين العمال الموجودين على رأس العمالات وتحت نفوذه في إقصاء للنخب السياسية المحلية). وتحت شعار الوحدة الوطنية شن النظام المخزني قمع همجي تجاه انتفاضة الريف 1958، وبمجرد انتهاءه من بسط نفوذه الإداري والسياسي والتنظيمي لم يعد بحاجة لهذا الشعار فقام بإعفاء حكومة عبد الله إبراهيم، وهذا أعتبره شخصياً أول درس سياسي لمن يثق في المخزن.

  • الإجماع الوطني في السبعينات:

اهتزت أسس المخزن من جديد بعد الانقلابين الفاشلين في بداية السبعينات، كما كانت سلطته جد مهددة (توسع الحركات الماركسية – بروز قطاعات قوية وجذرية داخل umt، حل unem). الشيء الذي جعل النظام يفكر في مناورة جديدة، تمثلت في استغلال قضية الصحراء والدعوة إلى إجماع وطني وهمي لاسترجاع باقي الأقاليم. فطرح على القوى السياسية ضرورة الانخراط في هذا العمل. وبالتالي سمحت له هذه المناورة بالخروج من الطريق المسدود والعزلة التي كان فيها، ف بانخراط كل القوى السياسية باستثناء (اليسار الماركسي الذي يعي ما كان يجري)، أدى بالمخزن إلى الدعاية بالتأكيد على أحقيته في الحكم فقد حول الإجماع من موافقة حول جغرافيا إقليم معين (بشكل غير ديمقراطي) إلى موافقة على السياسة العامة للبلاد المسطرة من طرفه مما أدى إلى تكريس الحكم المطلق.  فماذا حدث بعد ذلك:

  • الإقرار بسمو المؤسسة الملكية بشكل نهائي، وتهميش الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية وتحويل البرلمان إلى أداة سياسية لمساندة السياسة الرسمية، ووضع حدود للمعارضة البرلمانية.

  • قمع همجي في حق اليسار الجديد المتمثل في الحركة الماركسية اللينينية المغربية والشبيبة المدرسية، والشغيلة التعليمية.

  • بداية سن سياسات نيوليبرالية نتج عنها تقليص الإنفاق الحكومي والحد من التشغيل والالتفاف على مجانية التعليم والصحة.

  • انتفاضات شعبية عارمة سنة 1981 و1984 واجهها النظام المخزني بالتقتيل الهمجي.

  هذه بعض الأحداث وليس كل الأحداث التي رفع فيها المخزن شعار الوطنية والوحدة (“العهد الجديد، دستور 2011..)، والنتائج التي أوصلتنا لها.

II- إجماع وطني أم صراع طبقي:

في مفاهيمينا النظرية نعتبر أنه مادام هناك ملكية خاصة لوسائل الإنتاج سيكون الصراع بين أغنياء يشكلون أقلية يقمعون وينهبون وبين الفقراء الذين يشكلون الأغلبية حاضراً. لكن هناك فترات قصيرة زمنيا يفرض فيها الواقع الموضوعي نوعاً من الهدنة أو التوافق إن صح التعبير، لكن في ظروف استثنائية فقط (كمواجهة الاحتلال مثلاً)، لأن الصراع وتضاد المصالح بين من يملك الثروة والجيش والأمن والإعلام والسلطة الدينية وبين من يملك فقط قوة عمله هو صراع دائم.

أما في المغرب فلا يوجد هذا النوع من الظروف ولا يمكن أن يوجد ربما في المستقبل، فالمخزن هو العائق أمام تطور وتقدم الشعب وتحرره، ومنه لن يكون هناك شيء أخطر منه يهدننا جميعاً، فحتى الإمبريالية حليفة له ومصالحه من مصالحها. ولهذا فإن أي إجماع وطني في ظل هذا الحكم هو إجماع لأعداء التحرر -تنجر خلفه بوعي أو بدون وعي القوى الإصلاحية – حول الطبيعة الاستبدادية للمخزن، إجماع حول حملة قمعية واسعة في حق مختلف الوطنيين الحقيقين المعارضين لسياساته اللاوطنية.

   ولعل المثال الأخير أمامنا هو اعتقال رفيقنا ياسين فلات في ظل هذه الظروف التي تمر منها البلاد، والذي يعتبر مثالاً كافياً لتأكيد طبيعة المخزن، فبدل من أن يكثف كل جهوده لإنقاذ المواطنين من الكارثة التي قد نصل إليها بسبب سياساته الطبقية، التي دمرت قطاع الصحة العمومية، ها هو يستغل ظرفية حالة الطوارئ الصحية لتصفية حساباته مع المعارضين، لهذا اعتبرنا نحن في شبيبة النهج الديمقراطي في بلاغنا، الصادر يوم 7 أبريل 2020، بخصوص ياسين، أن هذا الاعتقال جائر وانتقامي يدخل في مسلسل القمع والحصار المسلط على شبيبة النهج الديمقراطي وكل القوى الديمقراطية والقوى الحية والأصوات والأقلام الحرة المعارضة.

وهنا لابد من التأكيد أنه لا يمكن تصور مخزن آخر بمواصفات “ديمقراطية برلمانية” في المغرب. فالتاريخ السياسي للمغرب يؤكد أنه غير قابل لأي إصلاح، فتشجيع الانتهازية وإفساد النخب والقمع والفساد والرشوة وخلق والبطالة واختراق الأحزاب واستغلال الدين تعتبر من أسسه ولا يمكن نزعها.

إن المطلوب في الوقت الراهن هو توعية مختلف فئات الشعب المغربي للخروج من جائحة كورونا بأقل الأضرار الممكنة مع رصد مختلف الخروقات الحقوقية سواء المتعلقة بحرية التعبير أو الحقوق الشغلية وفضحها.

  أما بعد هذه الجائحة فالمطلوب هو تكثيف النضال الوحدوي بشعار مؤطر عنوانه الرئيسي “إسقاط المخزن وفرض مجلس تأسيسي لصياغة دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا”.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا