298
بعد تفشي فيروس كورونا بالمغرب، سارعت الدولة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات أبرزها إعلان حالة الطوارئ الصحية. إجراءات استخدم فيها المخزن ترسانته الأمنية والعسكرية والإعلامية والإيديولوجية. وكالعادة انخرطت القوى السياسية المستفيدة من بقاء النظام المخزني، داعية أن هناك إجماع وطني خلف قيادة رئيس الدولة، في محاولة لطمس حقيقة من أوصل القطاع الصحي ومختلف القطاعات الاجتماعية الحيوية إلى هذه الحالة. وفي هذا المقال سنتحدث أولا عن تاريخ الشعارات الوطنية الزائفة والتي كان يستخدمها المخزن كمناورات تكتيكية – للحد من تناقضاته الداخلية وعزلته -، في أبرز فترات تاريخنا السياسي الحديث، ثم عن الطبيعة السياسية للمخزن وكتلته الطبقية التي يستحيل التحدث في ظل بقاءها عن أي توافق أو وحدة أو إجماع.
I- تاريخ الإجماع الوطني
- حكومة “الوحدة الوطنية” إبان الاستقلال 1957:
غداة الاستقلال بدأت سلطة الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار تتهيكل وتريد والاستحواذ على كل السلط، لذا كان من الضروري عليها تحطيم أو احتواء التنظيمات المستقلة التي أسسها الشعب المغربي إبان كفاحه المرير من أجل الاستقلال، لهذا لجأ أول مرة إلى طرح شعاراته الكاذبة التي تمثلت آنذاك في “الوحدة الوطنية” والتي كانت المفضلة أيضا لدى النظام الفرنسي. فماذا حدث عندها (تفكيك أجهزة المقاومة المسلحة، إقرار بحق الملك في تعيين العمال الموجودين على رأس العمالات وتحت نفوذه في إقصاء للنخب السياسية المحلية). وتحت شعار الوحدة الوطنية شن النظام المخزني قمع همجي تجاه انتفاضة الريف 1958، وبمجرد انتهاءه من بسط نفوذه الإداري والسياسي والتنظيمي لم يعد بحاجة لهذا الشعار فقام بإعفاء حكومة عبد الله إبراهيم، وهذا أعتبره شخصياً أول درس سياسي لمن يثق في المخزن.
-
الإجماع الوطني في السبعينات:
اهتزت أسس المخزن من جديد بعد الانقلابين الفاشلين في بداية السبعينات، كما كانت سلطته جد مهددة (توسع الحركات الماركسية – بروز قطاعات قوية وجذرية داخل umt، حل unem). الشيء الذي جعل النظام يفكر في مناورة جديدة، تمثلت في استغلال قضية الصحراء والدعوة إلى إجماع وطني وهمي لاسترجاع باقي الأقاليم. فطرح على القوى السياسية ضرورة الانخراط في هذا العمل. وبالتالي سمحت له هذه المناورة بالخروج من الطريق المسدود والعزلة التي كان فيها، ف بانخراط كل القوى السياسية باستثناء (اليسار الماركسي الذي يعي ما كان يجري)، أدى بالمخزن إلى الدعاية بالتأكيد على أحقيته في الحكم فقد حول الإجماع من موافقة حول جغرافيا إقليم معين (بشكل غير ديمقراطي) إلى موافقة على السياسة العامة للبلاد المسطرة من طرفه مما أدى إلى تكريس الحكم المطلق. فماذا حدث بعد ذلك:
-
الإقرار بسمو المؤسسة الملكية بشكل نهائي، وتهميش الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية وتحويل البرلمان إلى أداة سياسية لمساندة السياسة الرسمية، ووضع حدود للمعارضة البرلمانية.
-
قمع همجي في حق اليسار الجديد المتمثل في الحركة الماركسية اللينينية المغربية والشبيبة المدرسية، والشغيلة التعليمية.
-
بداية سن سياسات نيوليبرالية نتج عنها تقليص الإنفاق الحكومي والحد من التشغيل والالتفاف على مجانية التعليم والصحة.
-
انتفاضات شعبية عارمة سنة 1981 و1984 واجهها النظام المخزني بالتقتيل الهمجي.