الرئيسية » الحركة الطلابية: نقد الذات جسر التحرر من “كهوف كولونيا”

الحركة الطلابية: نقد الذات جسر التحرر من “كهوف كولونيا”

الحركة التي لا تنقد ذاتها، ليست حركة.. إنها مقبرة!

كتبه user B

آدم الروبي

-صرخة من داخل التجربة –

عندما انضممتُ سابقاً لتنظيمٍ طلابيٍ يرفع شعار “الديمقراطية القاعدية”، كنتُ أعتقد أننا نحفر بأظافرنا طريق التغيير. لكني اكتشفت لاحقاً أننا كنا نرسم جدران سجننا بأيدينا! تجربتي مع “النقد الذاتي” لم تكن خياراً فكرياً فحسب، بل انفجارٌ للوعي ضدّ ثقافة الإملاء التي تحوّل التنظيم الطلابي من حاضنةٍ للتحرر إلى ما يشبه “طائفة كولونيا” (فيلم 2015) – حيث يُحجز الأعضاء في دوامة شعارات جوفاء، ويُمنَعون من رؤية العالم خلف أسوار الجامعة. اليوم، وأمام أزمة بنيوية تعصف بالحركة الطلابية، أصرخ: لا خلاص دون تمردٍ على الانغلاق!

النقد الذاتي: “التابو” الذي تقتله التنظيمات

كيف تحوّلت الحركة الطلابية من رافعةٍ للتغيير إلى فضاءٍ يُكرّس الجهل؟ الجواب في تحويل “النقد الذاتي” إلى جريمة! فقيادات بعض التنظيمات:

تخاف من أسئلة مثل: لماذا فشلنا في إحياء “أوطم” رغم تاريخها؟

تُحذّر من قراءة سمير أمين (نظرية التبعية) أو مهدي عامل (البنية الطبقية للتعليم)، لأنها تكشف أن “معاركنا” ضدّ الخصخصة – مثلاً – لم تكن سوى عرائض احتجاجية بلا أدوات تحليل حقيقية.

تختزل الماركسية في شعارات جاهزة، كأنها “أغانٍ ثورية” تُردّد في المظاهرات والامسيات ثم تُنسى!

هذا ليس خطأً عفويّاً.. إنه نظامٌ لإنتاج الجهل، يُحوّل الأعضاء إلى أرقام في مسيرات، لا عقولاً تسائل.

“كولونيا” الجامعة: حين تصبح القيادات “كهنة”

يشبه واقع الحركة الطلابية المغربية اليوم  فيلم كولونيا – حيث يعيش الأعضاء في مجتمعات منعزلة، تُمارس عليهم:

غسيل دماغ ناعم: عبر تكرار شعارات مثل “القرار للقاعدة” بينما القرارات تُتخذ في غرف مغلقة.

تأليه القيادة: فمن يعترض على “الخط العام” يُوصَم بالانتهازية، تماماً كما تفعل الطوائف الدينية مع “الهراطقة”.

عُزلة مُخطَّط لها: بمنع الأعضاء من الانفتاح على أطروحات الجيل الرابع لمدرسة فرانكفورت (هابرماس) التي تحلّل تحوّلات الرأسمالية الرقمية، وكأن الزمن توقف عند لينين!

والنتيجة؟ حركة طلابية بلا بصيرة، تُعلّق شعار “التغيير” على جدران كواليس لا يراها أحد!

التبعية الخفية: من يمسك بخيوط الدمى؟

الانغلاق ليس بريئاً.. إنه غطاء لخيانة المشروع الطلابي! فهناك من يدفع باتجاه:

إبقاء الحركة حبيسة الجامعة، لئلا تكتشف أن “العدو الحقيقي” ليس وزارة التعليم، بل شبكة مصالح رأسمالية محلية/عالمية (كما يحللها سمير أمين).

تفريغ “أوطم” من مضمونها النقابي، لأن إحياءها كقوة مستقلة يهدد “وسطاء” يربحون من تمثيلهم الوهمي للطلبة.

لا زلت أذكر ذلك اليوم خلال إحدى الأيام الثقافية لإحدى المجموعات الطلابية، حين دار بيننا حديث ساخر عن ما يسمونه بـ”إنجازات الطلبة القاعديين” في خدمة الحركة الجماهيرية. سألتُ حينها ببراءة: ماذا قدموا فعليًا غير الخطابات والشعارات؟ هل أسسوا تنظيمًا حقيقيًا في الشارع؟ هل أعدوا كوادر قادرة على قيادة النضال؟ فجاء الرد الصادم من أحد الرفاق، بنبرة أقرب إلى “فتوى نضالية” منه إلى نقاش تنظيمي: “العائلة هي النواة، وزواج رفيق ورفيقة بعد التخرج هو مساهمة في بناء التنظيم!”، ثم خيّم صمت ثقيل وكأننا أمام شيخٍ أصدر حكمًا نهائيًا لا يُرد. هذه الحادثة، رغم طرافتها، تكشف بؤس الخيال السياسي داخل بعض هذه المجموعات، التي حولت الفشل في بناء التنظيمات الحقيقية إلى إنجازات بديلة تقوم على منطق “الزواج الثوري”، وكأن الثورة بحاجة إلى شهادات زواج أكثر من حاجتها إلى خطط نضالية.

فبدلاً من الاعتراف بعدم القدرة على التأثير الجماهيري، تُختلق نظريات غريبة تبرر العجز، كأن يتم اعتبار نقاش مؤتمر قديم إنجازًا، أو زواج رفيق من رفيقة “بناءً للنواة”، أو نقد فصيل آخر انتصارًا للخط الثوري، بينما الواقع يصرخ: لا أثر حقيقي في الجامعة ولا في الشارع، ولا قدرة على حماية حتى أبسط حقوق الطلاب. إن الفرق بين الحركة الثرثارة والحركة الفعالة هو أن الأولى تتحدث كثيرًا عن الماضي والزواج والبلاغات، بينما الثانية تعمل بصمت على بناء البدائل والتنظيمات والتحالفات، وتخاطب الواقع بدل الهروب منه. فحين تتحول الحركة إلى ما يشبه نادي زواج اشتراكي، يصبح السخرية وسيلةً مؤلمة لقول الحقيقة: لم نبنِ شيئًا، ولن نبني ما دمنا نُبرر الفشل ونتعامل مع العجز كأنه نظرية ثورية، ونهاجم كل ما هو متجاوز لنا>

نحو تمردٍ تأسيسي: كيف نكسر الجدران؟

العلاج لا يحتاج معجزة، بل شجاعة:

أ. ثورة داخل التنظيمات:

تمرد الأعضاء على “ثقافة الطاعة”: بطلب فتح أرشيف الفكر النقدي (ماركسية عربية/غربية، دراسات ما بعد الاستعمار).

محاكمة القيادات التي ترفض النقد باسم “الانضباط التنظيمي”.

ب. إعادة بناء “أوطم”:

نقابة لا تكون ذراعاً لأحد، بل منصة تتبنى مطالب حقيقية:

✓ كشف عقود خصخصة التعليم.

✓ مواجهة انهيار المنح الدراسية بتحليل طبقي (كما يقترح مهدي عامل).

ج. الانفتاح كسلاح

ربط نضالات الطلبة بتحوّلات الرأسمالية العالمية (عبر أدوات سمير أمين).

استعارة منهج “هابرماس” في التواصل العقلاني: فالحقيقة لا تولد في الغرف المغلقة، بل في الحوار الحر.

هل ندفن أنفسنا أم نولد من جديد؟

في فيلم “كولونيا”، يهرب السجين عندما يدرك أن سجّانيه يخافون من العالم الخارجي أكثر منه. نحن أمام خيارين:

الخيار الأول: البقاء في “الكهف” – حيث تموت الحركة رويداً، وتتحول “أوطم” إلى شبح في ذاكرة الجدران.

خيار التمرد: كسر قيود الجهل والتبعية.. فالحركة التي لا تنقد ذاتها، ليست حركة.. إنها مقبرة! – هذه العبارة ليست مجرد تشبيه، بل هي واقع تعيشه العديد من التنظيمات الطلابية التي حولت نفسها إلى سجون فكرية، حيث يُحاكم كل من يجرؤ على طرح سؤال، ويُوصم كل من يعترض بالانتهازية أو “التحريفية”. فما هو الحل؟

الهروب كفعل مقاومة

إذا كانت بعض الفصائل قد تحولت إلى طوائف مغلقة تُمارس الوصاية على الأفكار وتُجرم النقد، فإن الخيار الوحيد أمام كل من يؤمن بحرية الفكر هو الهروب – ليس هروب الجبناء، بل هروب العقلاء الذين يرفضون أن يكونوا وقودًا لمعارك وهمية.

الهروب من “المحاكم التنظيمية” التي تحاكم الأعضاء على آرائهم، لا على إنجازاتهم.

الهروب من خطاب “التكفير السياسي” الذي يختزل كل اختلاف في “خيانة المبادئ”.

الهروب من ثقافة “الزعيم المقدس” الذي لا يُخطئ، والذي يُحوِّل التنظيم إلى مزرعة شخصية.

البحث عن فضاءات حرة

ليس المطلوب الانسحاب من النضال، بل البحث عن مساحات تُحترم فيها حرية الرأي، حيث:

لا يُعتبر النقد “جريمة”، بل شرطًا للتطوير.

لا يُنظر إلى القراءات المختلفة للتاريخ على أنها “تآمر”، بل محاولات لفهم أفضل.

لا يُختزل النقاش السياسي في شعارات جاهزة، بل يُفتح باب الاجتهاد والتجديد.

لماذا نخاف من الحرية؟

بعض القيادات ترفض النقد لأنها تعلم أن شرعيتها واهية – شرعية قائمة على أسطورة الماضي، لا على إنجازات الحاضر. وبدلاً من مواجهة هذا العجز، تختار قتل الأفكار عبر:

التهكم (أنت مثقف جدًا لفهم النضال!)

التهديد (هذا الكلام يخدم الأعداء!).

التهميش (من قال هذا الكلام لا يمثلنا!).

إما الحرية.. أو المقبرة!

الخيار واضح: إما أن نبقى في مقابر التنظيمات المتحجرة، حيث الأفكار تُدفن قبل أن تولد، أو نخرج إلى فضاءات النقاش الحر، حيث يُسمح لنا بأن نكون بشرًا – نخطئ، نتعلم، وننقد دون خوف.

فكما هرب سجين “كولونيا” من سجّانيه، علينا نحن أيضًا أن نهرب من سجّاني الفكر الذين يريدوننا أتباعًا، لا مفكرين. لأن الحركة الحقيقية لا تُبنى بالتبعية.. بل بالحرية.

ملاحظة: هذا مقال رأي ولا يعبّر بالضرورة عن مواقف شبيبة النهج الديمقراطي العمالي.

قد تعجبك أيضاً