الرئيسية » حوار مع أيوب حبراوي حول الوضع الطلابي الراهن

حوار مع أيوب حبراوي حول الوضع الطلابي الراهن

لا يمكن لأي موقع طلابي أن يبقى بمنأى عن آثار الخوصصة، وضرب المجانية، وتشتيت الحياة الجامعية

كتبه user B

أجرت جريدة النهج الديمقراطي في العدد 613 حوارا مع الرفيق أيوب حبراوي، عضو اللجنة الوطنية لشبيبة النهج الديمقراطي العمالي، حول الوضع الطلابي الراهن، وفيما يلي نص الحوار:

1- ما هي الاستراتيجية التي اعتمدها النظام لمحاولات تلجيم النضالية التاريخية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب؟

منذ تأسيسه سنة 1956، شكّل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إطارًا نقابيًا يمثل طلاب الجامعة المغربية، لكنه لم يلبث أن أصبح مع مرور السنوات أحد أهم الفاعلين في الساحة السياسية والاجتماعية، خاصة في ظل غياب تنظيمات شبابية مستقلة وقادرة على التعبير عن تطلعات الجيل الجديد. وبداية من ستينيات القرن الماضي، بدأ أوطم يمارس ضغطًا سياسيًا حقيقيًا على الدولة، ليس فقط من خلال مواقفه الوطنية والدولية، بل أيضًا من خلال انخراطه القوي في المعارك الاجتماعية والديمقراطية، سواء في الجامعة أو في المجتمع بشكل عام. وقد بلغ هذا الضغط ذروته خلال انتفاضة 23 مارس 1965، حين كان الطلبة في قلب الأحداث، يوجهون الشعارات، ويؤطرون المسيرات، ويعبّرون عن غضب شعبي تجاوز حدود الحقل التعليمي.

أمام هذا التحول، لم يتردد النظام في تصنيف الاتحاد كخصم سياسي، وتبنى استراتيجية متكاملة تهدف إلى تلجيمه وتجريده من أي قدرة على التأثير الفعلي. تمثلت أولى أدوات هذه الاستراتيجية في القمع المباشر، إذ عرفت الجامعات المغربية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي موجات واسعة من الاعتقالات في صفوف مناضلي الاتحاد، وتعرض عدد كبير منهم للتعذيب والمحاكمات، بل إن البعض دفع حياته ثمنًا لمواقفه. وبلغ القمع ذروته حين قررت الدولة حظر الاتحاد سنة 1973، رغم أن الاتحاد ظل حاضرًا في الواقع النضالي انداك الى ان تم رفع الحظر القانوني سنة 1979, و بعدها اتخدك النظام تكتيك اخر يهدف الى تشثيت الاتحاد الوطني من الداخل و ذلك ما شهدناه سنة 1981 حين ساهم بشكل كبير في افشال المؤتمر 17.

لكن الدولة لم تكتف بالقمع كوسيلة وحيدة، بل طورت أدواتها لتشمل جوانب مؤسساتية وأيديولوجية. إذ اتجهت نحو خوصصة متدرجة للتعليم العمومي، وفرضت قوانين جديدة تهدف إلى تحويل الجامعة إلى فضاء منزوع الدلالة السياسية. تم تفكيك السكن الجامعي، تقليص المنح، فرض سياسات تعليمية تضفوية. كل هذه الإجراءات هدفت في عمقها إلى تحويل الطالب من فاعل اجتماعي إلى مستهلك معزول، فاقد للقدرة على التنظيم والانخراط في معارك جماعية. كانت الرغبة واضحة في القضاء على أي إمكانية لإعادة بناء قوة جماهيرية طلابية قادرة على التأثير في السياسات العمومية.

في موازاة ذلك، اعتمدت الدولة على سياسة “فرّق تسد” داخل الجامعة، من خلال تغذية الانقسامات الفصائلية وتشجيع بعض التيارات العنيفة خصوصا الاسلاميين، على حساب القوى التقدمية والجذرية. تم التساهل مع بعض الأشكال الدينية أو الإصلاحية من النشاط الطلابي، التي لا تضع السياسات النيوليبرالية موضع مساءلة حقيقية، بينما وُوجهت الفصائل التقدمية بالقمع والمنع، في محاولة لعزلها عن القاعدة الطلابية وتقديمها كعناصر مشوشة أو خارجة عن القانون. هذه السياسة أدت إلى تفكك وحدة الحركة الطلابية، وأفقدت الاتحاد الوطني القدرة على لعب دوره التاريخي كإطار موحِّد لكل الطلبة.

ومع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن النظام لا يريد فقط إضعاف أوطم، بل يسعى إلى إعادة صياغة علاقة الطالب بالجامعة، وبالمعرفة، وبالفضاء العمومي ككل. فتم تسليع التعليم، وتحويل الجامعة إلى مجرد منصة تقنية لتخريج يد عاملة قابلة للتكيّف مع شروط السوق، دون أي مضمون نقدي أو ارتباط حقيقي بقضايا المجتمع. لم تعد الجامعة كما أرادها الطلبة المناضلون فضاء لتشكيل الوعي، بل صارت مكانًا فارغًا من أي محتوى سياسي، حيث يُمنع النقاش، وتُقمع الاحتجاجات، وتُحاصر كل أشكال التعبير المستقل.

ورغم كل ذلك، لم تستطع الدولة القضاء تمامًا على الجذوة النضالية التي يحملها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. فقد ظل هذا الكيان رمزًا في الذاكرة الجماعية الطلابية، واستمرت بعض الفصائل المناضلة في الدفاع عن الجماهير الطلابية، والعمل على إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ولو في شروط بالغة الصعوبة. إن ما يميز هذه التجربة هو قدرتها على الصمود رغم الاستنزاف الطويل، وهي شهادة على أن الحركة الطلابية، مهما بلغ ضعفها التنظيمي، لا تزال تحمل في داخلها إمكانيات الانبعاث، متى ما توفرت الشروط الذاتية والموضوعية لذلك.

2- كيف و لماذا انشطر الاتحاد، كمنظمة نقابية لكل الطلاب إلى عدة فصاءل متباعدة يسود العداء فيما بينها؟

منذ تأسيسه، كان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يعكس التنوع الفكري والسياسي الموجود داخل المجتمع الطلابي، حيث تعددت الفصائل والتيارات، وكان هذا التنوع أمرًا طبيعيًا في أي حركة نضالية شبابية. وكانت الاختلافات في الرؤى والأفكار تُمثل عادة غنىً وتنوعًا يُثري النقاش ويقوي العمل الجماعي، شريطة أن تتم إدارة هذه الاختلافات بروح ديمقراطية واحترام متبادل، وضمن إطار وحدة وطنية مشتركة.
لكن المشهد تغير بشكل جذري بعد فشل المؤتمر السابع عشر، الذي شكل نقطة تحوّل درامية في مسار الاتحاد، وبدايةً لمرحلة الحظر العملي المفروض من النظام على الحركة الطلابية. في هذه المرحلة، برزت الفصائل الإسلامية كقوة جديدة داخل الجامعة، وكانت أول من لجأ إلى استخدام العنف كأداة لتصفية الحسابات السياسية داخل الفضاء الطلابي. هذه الممارسة لم تكن بعيدة عن استراتيجيات النظام الذي وجد في تصاعد العنف والانقسامات فرصة ثمينة لتفتيت الحركة الطلابية. وللأسف، لم تقتصر ظاهرة العنف على الفصائل الإسلامية فقط، بل مارستها أيضًا بعض الفصائل اليسارية، مما أدى إلى تعميق الصراعات الداخلية وتعطيل أي جهود حقيقية لإعادة بناء تنظيم طلابي قوي وموحد. هنا يظهر بوضوح كيف استفاد النظام من هذه الانقسامات؛ ففي ظل هذه النزاعات الداخلية، باتت الحركة الطلابية عاجزة عن تقديم أي مقاومة فعالة للسياسات القمعية والتعليمية النيوليبرالية التي كانت تستهدف الجامعة المغربية. إذ أن النظام لا يرغب في وجود إطار طلابي موحد قادر على التعبير عن مطالب الشعب وقيادة نضالات حقيقية، بل يريد حركة ممزقة، تخضع بسهولة للضغوط، ولا تشكل تحديًا حقيقيًا لسياساته. لذلك، عمل النظام على تغذية هذه الخلافات، سواء عبر تقديم الدعم المباشر لبعض الفصائل أو من خلال غض الطرف عن ممارسات العنف والتشويش التي تضعف الحركة الطلابية.

تطورت الأمور إلى درجة أن لكل فصيل مواقع جامعية خاصة به، حيث سيطر على فضاءات معينة واستغلها كساحة للصراع مع الفصائل الأخرى، مما حول الجامعة إلى ساحة من النزاعات الجزئية والصراعات الفئوية، بعيدًا تمامًا عن الهدف الأساسي وهو الدفاع عن حق الطلبة في تعليم مجاني وعالي الجودة، ومواجهة سياسات التهميش والتسليع التي يفرضها النظام على التعليم. هذا التمزق الداخلي لا يخدم الحركة الطلابية فحسب، بل يصب مباشرة في مصلحة النظام، الذي يرى في هذا الانقسام أداة لإضعاف أي مشروع نضالي جامع قادر على مقاومته. كلما تعمقت الصراعات الداخلية، قلّت قدرة الاتحاد على بناء جبهة نضالية موحدة، وأصبح أكثر عرضة للتلاعب السياسي والاقتصادي، وللانزلاق نحو الفوضى التي تبرر مزيدًا من القمع والتدخل الأمني.

إن هذه السياسة الاستراتيجية لتفكيك الحركة الطلابية وإغراقها في صراعات داخلية تعد نموذجًا من نماذج السياسات النيوليبرالية التي تستهدف تدمير أي شكل من أشكال التنظيم الجماعي الذي يمكن أن يهدد مصالح الرأسمال والسلطة الحاكمة. النظام بهذا الأسلوب ينجح في تحويل الطلبة من قوة تنظيمية فاعلة إلى مجموعات متفرقة لا تعبر عن أفق سياسي واضح، ويُبعد النقاش الطلابي عن القضايا الجوهرية، مثل مجانية التعليم، وتحسين شروط الدراسة، وضمان الحق في التنظيم والتعبير. في المقابل، يظل التحدي الأكبر للحركة الطلابية هو تجاوز هذه الانقسامات، وإعادة بناء الوحدة على أسس ديمقراطية، تُعيد للطلبة صوتهم، وتجمع قواهم في جبهة نضالية موحدة تواجه سياسة النظام وتُطالب بإصلاحات حقيقية في الجامعة والمجتمع. فبدون هذه الوحدة، يبقى الواقع السياسي للجامعة هشًا، وتستمر في لعب دور تابع يخدم فقط مصالح النظام دون أن يُحدث أي تغيير جوهري في أوضاع الطلبة ومستقبل التعليم الوطني.

3- كيف ترون أفاق العمل و هل هناك إمكانية التنسيق بين بعض الفصاءل او كلها بهدف استرجاع وحدة المنظمة، وحدها الكفيلة للتصدي و مواجهة مخطط النظام الهادف إلى تخريب الجامعة العمومية و تفويتها للراسمال؟

رغم الواقع الصعب الذي تعيشه الحركة الطلابية، والذي يتّسم بالتشرذم والصراعات الفصائلية، والتراجع الكبير في حضور الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كإطار نقابي موحّد، فإن آفاق العمل الوحدوي لم تنعدم بالكامل. بل إن التناقضات العميقة التي أنتجها النظام داخل الجامعة، عبر سياسات التدمير الممنهج للتعليم العمومي، وتفويت الفضاء الجامعي للرأسمال والرداءة، تضع الفصائل الديمقراطية التقدمية تحديدًا أمام مسؤولية تاريخية لم يعد ممكناً التهرب منها.

لا يمكن لأي فصيل تقدمي، مهما كانت مرجعيته أو حجمه أو موقعه، أن يتصدى منفردًا لهجوم بهذا الحجم، ولا يمكن لي موقع طلابي أن يبقى بمنأى عن آثار الخوصصة، وضرب المجانية، وتشتيت الحياة الجامعية. وهذا ما يجعل من استعادة وحدة المنظمة، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ضرورة موضوعية وليست مجرد خيار طوعي. إنها مسألة تتعلق بإمكانية وجود مقاومة طلابية فعالة من عدمها، أي أن الوحدة لم تعد شعارًا، بل شرطًا للوجود نفسه. ومن هذا المنظور، فإن المدخل الحقيقي لإعادة بناء المنظمة لا يمكن أن يكون مجرد اتفاق تنظيمي فوقي، بل يجب أن ينبثق من معركة طلابية وطنية شاملة، تنخرط فيها كل الفصائل الديمقراطية التقدمية، وتتلاقى فيها الإرادات النضالية لمختلف المواقع الجامعية. معركة ميدانية، جماهيرية، واضحة المطالب والأهداف، تُعيد خلق التراكم الضروري على قاعدة النضال المشترك، وتفتح الأفق أمام بناء وحدة نضالية فعلية من أسفل، تتجاوز الأوهام والانغلاق، وتؤسس لوحدة ديمقراطية صلبة، نابعة من شروط الواقع ومن حاجات القواعد الطلابية.

إن هذه المعركة الوطنية لا يجب أن تكون مجرد شعار، بل يجب أن تتجسد في خوض معارك جماهيرية ملموسة ضد السياسات النيو-ليبرالية التي تستهدف الجامعة العمومية، وعلى رأسها ضرب مجانية التعليم، وتفويت الخدمات الجامعية للقطاع الخاص، وتسليع التكوين والمعرفة. كما يجب أن تشمل التصدي لظاهرة التطبيع الأكاديمي المتزايدة، التي تُحول الجامعة إلى منصة للاختراق الصهيوني الناعم، وتفصل البحث العلمي عن قضايا التحرر والعدالة، وهي ظاهرة خطيرة تهدد استقلال الجامعة وهويتها الوطنية والتاريخية.

إلى جانب ذلك، هناك معارك مطلبية نقابية ملحّة وراهنية، يمكن أن تشكل أرضية ميدانية لتقارب الفصائل، وعلى رأسها: المعركة من أجل المنحة باعتبارها حقًا اجتماعيًا غير مشروط، والنضال من أجل توسيع الولوج إلى سلك الماستر والدكتوراه على أسس تكافؤ الفرص، إضافة إلى معركة الدفاع عن السكن الجامعي وتحسين شروطه، والتصدي لظواهر المحسوبية والتمييز داخله. كل هذه الملفات ليست هامشية، بل تعبّر عن جوهر الأزمة التي تعيشها الجامعة المغربية، وتحتاج إلى أفق نقابي موحّد قادر على تأطيرها وتصعيدها. هذا لا يعني أن الطريق سهل. فالانقسامات التي رسّخها الحظر العملي منذ 1981، والتراكمات السلبية التي خلفها منطق الهيمنة والإقصاء، والتدبير الفوقي للعمل الطلابي، كلها معوّقات حقيقية. ولذلك، فإن أي أفق تنسيقي اليوم يجب أن ينطلق من داخل الفصائل الديمقراطية التقدمية التي لا تزال تحمل مشروعًا نقابيًا جماهيريًا، وتؤمن بضرورة التنظيم الديمقراطي، والانفتاح على القواعد الطلابية، والعمل من داخل هوية أوطم ومبادئها. هذا الأفق لا يُبنى إلا على قاعدة الاعتراف المتبادل، والقطع مع منطق احتكار الشرعية أو التحكم في القرار، والاشتغال على أرضية واضحة تدمج النضال الميداني اليومي مع التراكم السياسي والتنظيمي نحو إعادة بناء فعلية. ولعل بعض المبادرات الموضعية الناجحة في مواقع محددة تُظهر أنه حين تكون الإرادة متوفرة، وحين يُبنى التنسيق على أساس المصلحة المشتركة في مواجهة العدو الطبقي، يصبح الانفراج ممكنًا، ويصبح الطريق إلى الوحدة أكثر وضوحًا.

إن وحدة الفصائل الديمقراطية التقدمية، أو تنسيقها الميداني على الأقل، هو الخيار الوحيد القادر على فتح أفق سياسي وتنظيمي جديد في الجامعة المغربية، في ظل الهجوم العنيف الذي يشنّه النظام على التعليم العالي العمومي. وكل تأخر في بناء هذا الأفق لن يضر الفصائل فقط، بل سيضر آلاف الطلبة الذين لم يعودوا يرون في الجامعة سوى محطة انتظار في طريق البطالة، والتهميش، والاغتراب عن قضايا المجتمع.

قد تعجبك أيضاً