الصفحة الرئيسية قضايا أمميةاليسار العالمي هل تسرع جائحة كورونا انفجار الاتحاد الأوروبي؟

هل تسرع جائحة كورونا انفجار الاتحاد الأوروبي؟

كتبه saad mertah

معاد الجحري

1. عوامل التفكك:

أعتبر أن الاتحاد الأوروبي محكوم عليه بالانفجار لسبب جوهري يتمثل في رفض الشعوب لسياست الاتحاد التفقيرية والتي تضرب مبادئ الديمقراطية والسيادة الوطنية ولأسباب أخرى يلخصها سمير أمين في:

– الاتحاد الأوروبي لا يمكن مقارنته بالولايات المتحدة الأمريكية، فهو من جهة أولى، مكون من شعوب مختلفة ومن جهة ثانية، يعاني من نقص الموارد الطبيعة.

– التطور الرأسمالي في أوروبا، تطور غير متكافئ، حيث توجد أطراف (اليونان، البرتغال، اسبانيا…) تحيط بمركز تتزعمه ألمانيا.

-الاتحاد الأوروبي مشروع أطلسي، يعطي دورا مركزيا لحلف الشمال الأطلسي، بل إن بلدانا عضوة في الاتحاد تعتبر حماية الحلف لها من أطماع روسيا أهم من انتمائها للاتحاد.

– غياب سياسة خارجية موحدة للاتحاد.

لهذه الأسباب، فان الاتحاد الأوروبي الذي بني أصلا على أساس خدمة مصالح الرأسمال الاحتكاري، غير قابل للحياة وغير قابل للإصلاح، وموازين القوى الحالية لا تمكن من جعل الاتحاد يشتغل لمصلحة الشعوب ويحترم السادة الوطنية.

2. غياب التضامن في محاربة الوباء:

إن غياب أو ضعف التضامن واحد من أقبح ما أفصحت عنه الرأسمالية خلال هذه الجائحة.

الحقيقة أن ملف الصحة ليس أصلا من الاهتمامات أو الاختصاصات المركزية للاتحاد الأوروبي وقد لا حظنا كيف أن سياسة التقشف التي فرضت بالحديد والنار على اليونان، أدت إلى ارتفاع ملفت للنظر لنسبة الوفيات في هذا البلد الذي مزقته الأزمة الاقتصادية.

جاك دلور، رئيس سابق للجنة الأوروبية حذر في نهاية مارس المنصرم، من أن ضعف التضامن بين البلدان الأعضاء في الاتحاد، تعرض هذا الأخير لخطر قاتل. كما حذر في اليوم ذاته (28 مارس) الوزير الأول الايطالي، من أن الاتحاد عليه تجنب القيام بأخطاء وصفها بالمأساوية وإلا فانه مهدد بالتفكك والانهيار. وأضاف أن أوروبا في أمس الحاجة إلى مخطط مارشال جديد، لكن بدون الأمريكان. غير أن هذا الطموح يواجه برفض بلدان المركز وعلى رأسها ألمانيا.

وحسب استطلاعات الرأي فان 75 في المائة من الايطاليين، يصرحون بأنهم لا ينتظرون شيئا يذكر في صالحهم من الاتحاد. لقد رأوا سابقا كيف تركت ايطاليا وحدها لاستقبال موجات الهجرة (مئات الآلاف) ما بين 2015 و 2017. واليوم تركت ايطاليا لمصيرها تواجه الوباء وها هي ألمانيا ترفض مساعدتها بتصدير المعدات الطبية وخاصة أجهزة التنفس. أما الحزب الشيوعي الايطالي فقد أعلن على لسان أمينه العام موقفا مناهضا للاتحاد، داعيا للخروج منه ملتحقا بموقف الجزب الشيوعي اليوناني، ويعتبر هذا تحولا جذريا بالنسبة لحزب يعد من الأحزاب الأوروشيوعية.

ومن عوامل التفكك الآن، تفاقم الديون العمومية بعدما فتح البنك المركزي الأوروبي الباب أمام الديون لمواجهة خطر انهيار الاقتصاد ونفقات الدول بسبب الجائحة. وإذا كانت المفوضية الأوروبية قد علقت الإجراءات والقيود المفروضة على ميزانيات البلدان الأعضاء، فان ذلك إجراء مؤقت وستكون البلدان المعنية مطالبة بتسديد ديونها وبالتالي العودة من جديد إلى فرض المزيد من التقشف الأمر الذي سيؤدي حتما إلى تأجيج الغضب الشعبي والتقاطب داخل الاتحاد.

لذا فان انقساما للاتحاد بين شطريه الشمالي والجنوبي وللدقة بين المركز والمحيط أمر وارد. وقد يتم هذا الانقسام تحت راية اليمين (كما البريكسيت ودعوات اليمين المتطرف) أو تحت راية اليسار الجدري إن هو خرج من دائرة الغموض.

3. لخبطة اليسار الجدري:

– فرنسا الأبية: اعتمد برنامجها الانتخابي لرئاسيات 2017 على خطة مزدوجة (خطة أ/ خطة ب). تتمثل الخطة “أ” في التفاوض حول المعاهدات الأوروبية مع الدول الأعضاء وعرض نتائج المفاوضات للاستفتاء بالبقاء في الاتحاد أو الخروج منه. وفي حال فشل المفاوضات يتم تفعيل الخطة “ب” المتمثلة في العصيان ويعني ذلك رفض تطبيق تلك المعاهدات وتحديدا تعليق مساهمة فرنسا في ميزانية الاتحاد وتحويل الأورو إلى عملة مشتركة وليس موحدة وفرض رقابة على رؤوس الأموال والسلع.

أعتبر، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أن موازين القوى في القارة الأوروبية لا تسمح بممارسة الخطة “أ” لأن هذا يفترض وصول اليسار الجدري بشكل متزامن للسلطة علما أن من يغير المعاهدات هو المجلس الأوروبي الذي يضم رؤساء الدول أو رؤساء حكومات البلدان الأعضاء. فيما الخطة “ب” تبقى غامضة ولا يفهم منها الخروج من الاتحاد من عدمه. وفي الانتخابات الأوروبية تقوى تفسير وسط فرنسا الأبية بأن الخطة “ب” لا تعني الخروج من الاتحاد بل خروج منظم ومنسق من المعاهدات، فالأمر يتعلق بالعمل على إصلاحه من الداخل. وهذا التفسير جاء في الحقيقة لطمأنة جزء من القاعدة الانتخابية المتمسكة بالاتحاد. وترتب عن هذه اللخبطة غضب العديد من الأطر بل التحق أحد برلمانيها باليمين المتطرف الذي تقوده مارين لوبين الذي يتوفر على قدر أكبر من الوضوح في هذا الصدد.

– الاتجاه اليساري في حزب العمال البريطاني ويمثله جريمي كوربين: موقف أكثر غموضا وضعفا مقارنة مع موقف ميلونشون. لقد حاول كوربين الجلوس بين كرسيين، وهو تكتيك مفلس، أدى به إلى خسارة مدوة في الانتخابات الأخيرة. لقد تقدم خلال هذه الانتخابات، ببرنامج متقدم، غير أنه أهمل الموقف من البريكسيت مكتفيا بالقول أنه إذا انتخب وزيرا أولا لبريطانيا، فانه سينظم استفتاء جديدا وأنه شخصيا سيلتزم الحياد. هكذا خسر كوربين جزءا من الحزب الذي يريد البقاء في الاتحاد وأغلبية السكان التي تؤيد البريكسيت.

– سيريزا: تمثل سيريزا جواب الشعبوية التقدمية في أوروبا التي تحلم بإصلاح الاتحاد الأوروبي من الداخل. لقد وصلت إلى السلطة سنة 2015 لكنها استسلمت بسرعة للبرنامج التقشفي الخطير الذي فرضته الترويكا المكونة من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وأدى هذا إلى تخريب اليونان وتفقير شعبه وانتهاك صارخ لسيادته. وفوق ذلك لم تجني سيرزا سوى الريح بحيث فقدت مكانتها وتراجعت تراجعا مهولا فاسحة المجال لليمين واليمين المتطرف.

الخلاصة:

إن اليسار الجدري في أوروبا بمختلف مكوناته، مطالب بوضع حد لخبطته السياسية والتخلص من أوهام إصلاح الاتحاد من الداخل والعمل عكس ذلك على تسريع وتيرة تفككه وبناء اتحاد الشعوب تقدمي ومتضامن ومتحرر من السيطرة الأمريكية وهذه واحدة من نقط الاشتباك السياسي مع اليمين واليمين المتطرف.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا