الصفحة الرئيسية • وجهة نظرقضايا نظرية هل يمكن بناء الاشتراكية في بلد واحد؟ الحبيب التيتي

هل يمكن بناء الاشتراكية في بلد واحد؟ الحبيب التيتي

كتبه user B

هل يمكن بناء الاشتراكية في بلد واحد؟

الحبيب التيتي

قد يبدو هذا السؤال مثقفيا وغير ذي اهمية . لكن بعد تمعن وتسديد النظر سنتيقن بانه على العكس سيمكننا عند بحثه والإجابة عليه ان نتقدم خطوة معتبرة في المزيد من التدقيق في القضايا السياسية والأيديولوجية المرتبطة بالإستراتيجية الثورية على الصعيد الوطني والعالمي.
الخوض في هذا الموضوع هو مساهمة في فتح النقاش والحوار مع الماركسيين ببلادنا والعمل على توحيدهم كخطوة نحو الانصهار في الحزب الجديد حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، مادامت مطامح الجميع تتجه نحو هذا المسعى الجبار.
هكذا نعتبر اثارة سؤال هل يمكن بناء الاشتراكية في بلد واحد؟ يدخل في اطار الحوار العميق بين الماركسيين المغاربة وسيمكن من التقدم في تناول موضوعة الاشتراكية نفسها والتي لازالت في بداية التحليل والتنظير، وهي موضوعة بدورها مطلوب منا توفير اجوبة حولها حتى تتضح ملامح ومعالم الخط الاستراتيجي للحزب المنشود.يجب ان نعمق وندقق ماذا نعني بالتغيير الجذري الطامح الى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية ذات الافق الاشتراكي.فما هي خصائص الدولة الاشتراكية؟ ما هي طبيعة الدولة والعلاقات السياسية بين الطبقات ألاجتماعية؟ ما هي حقيقة ملكية وسائل الانتاج؟ وطبيعة علاقات الانتاج؟ ما هي طبيعة الدولة؟ وما هي علاقة مرحلة الاشتراكية بالشيوعية؟.طبعا كل هذه الاسئلة وغيرها لا يمكن الاجابة عليها إلا بالارتكاز على اهم مكسب بات متوفرا للبروليتاريا المغربية والاممية وهي التجربة التاريخية لبناء الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان اوروبا الشرقية وفي الصين وغيرها من بلدان المحيط.لن نستطيع التقدم في الاجابة ما لم نستوعب اسباب فشل تلك التجربة الرائدة واين يكمن الخلل وما هو المطلوب للتجاوز.
وكخطوة اولى على طريق انجاز هذا المشروع الجبار والعظيم تنتصب اشكالية بناء الاشتراكية في بلد واحد، وهذه الاشكالية تقود رأسا الى طرح سؤال هل الثورة الاشتراكية على جدول الاعمال ام لا؟ فلكل جواب على الاشكالية تبعات وتداعيات ايديولوجية وسياسية بل ستكون حاسمة في تحديد طبيعة التنظيم وخصائصه وبالنتيجة هويته وتحالفاته المحلية والاممية.
1- هل لهذا السؤال من معنى اليوم؟
قبل كل شيء نستطيع ان نؤكد بان في الجواب على السؤال تكمن راهنية بناء الخط الاستراتيجي للثورة الاشتراكية رغم البعد النسبي لأفقها في بلادنا، لكن ذلك بات ضروريا لان التغيير الديمقراطي الغير محكوم بالأفق الواضح للاشتراكية يعتبر نقصا فظيعا في تصور الحزب ويجعله عرضة للانتكاسة والردة وحتى الانحراف لما يكون في مهمة انجاز المهام التحضيرية لبناء المجتمع الاشتراكي.لقد اكدنا في اطروحات النهج الديمقراطي على ان بناء الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية يعتمد على تبني الحزب لخط الجماهير وعلى المكانة الحاسمة التي تلعبه الجماهير عبر تنظيماتها المستقلة،اننا وضعنا بذلك اللبنات والضمانات على عدم انحراف الحزب لما يمارس السلطة، وفي نفس الوقت نكون قد وضعنا بذلك نوعا ما اجابة على اسباب الفشل الذي لحق بالثورة البلشفية.
ان الجواب على السؤال يدخل اذا في صلب مهمة تجذير الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية وعلى تدقيق المهام على الصعيد الوطني والجهوي والاممي خاصة مع ضرورة التقدم الفعلي في بناء الاممية الماركسية باعتبارها ايضا راس الرمح في تهيئ شروط هزم الامبريالية والدفع بسلطة الطبقة العاملة.
2- من يطرحه ولماذا؟
طرح سؤال الاشتراكية في البلد الواحد في فترات دقيقة تميزت اما بتنامي زخم الاستعدادات الثورية والتحضير للثورة او مباشرة بعد انتهاء الهبة الثورية بالفشل والدخول في مرحلة جزر وانكماش ان لم يكن الانتكاسة.وعلى العموم كان هناك فريقان اهتما بمسالة بناء الاشتراكية وراهنيتها: فريق تشكل من المنظرين والسياسيين المرتبطين بالحركة النضالية وهم من تحملوا مسؤولية توجيه الحركة سواء في مدها او في جزرها،لقد طرح هذا الفريق السؤال وأجاب عنه، فكانت الاجابة متعددة.اما الفريق الثاني على عكس الاول كان يرى ان القوانين الموضوعية لتطور الرأسمالية ستعمل وفق الحتمية التاريخية وتحقق انتقال المجتمعات من الرأسمالية الى الاشتراكية.ان هذا الانتقال يسير عبر الطريق السلمي والتدريجي وستتحول الطبقة العاملة الى طبقة سائدة في المجتمع وتحصل على السلطة ويتم القضاء على الملكية الخاصة.
لن نهتم بهذا الاتجاه الثاني إلا في حدود معينة لما نجده يتقاطع في الفكر والسياسة مع اجوبة بعض مكونات الاتجاه الاول .
فكلما انخرطت الاحزاب والمنظمات السياسية في الثورة، كلما انتصب امامها سؤال ما هو المشروع المجتمعي الذي تناضل من اجله؟ وفي صلب هذا المشروع يطرح بشكل مباشر طبيعة الدولة وطرق الاستيلاء على السلطة ومسالة الملكية الخاصة.تقود هذه القضايا بالضرورة الى تحديد طبيعة المجتمع المنشود وهو المجتمع الاشتراكي الذي يشكل مرحلة ادنى من المجتمع الشيوعي.وهو ما نقرؤه في خطاب روزا لكسمبورغ التالي:
"دعوني، إذن، أكرر أن سير التطور التاريخي أدى بنا إلى النقطة التي وقف عليها ماركس وإنجلز عام 1848 عندما رفعا علم الاشتراكية الأممية أول مرة. إننا نقف حيث كانوا يقفون، ولكن لنا ميزة أن سبعين عاما من التقدم الرأسمالي تقف خلفنا. قبل سبعين سنة، بدا لمن راجعوا أخطاء وأوهام 1848 أنه لا يزال أمام البروليتاريا مسافة غير محددة يجب أن تقطعها لتحقق الاشتراكية. ولا أجدني بحاجة إلى القول أنه ما من مفكر جدي مال إلى تعيين تاريخ محدد لانهيار الرأسمالية، ولكن هذا التاريخ بدا بعد تجارب 1848 الفاشلة في رحم المستقبل البعيد. ويمكن أن نقرأ هذا الاعتقاد في كل سطر من سطور المقدمة التي كتبها إنجلز في العام 1895. إننا الآن في موقف نستطيع معه أن نسوي الحساب وأن نرى أن الوقت كان قصيرا حقا بالمقارنة مع دورات الصراعات الطبقية على امتداد التاريخ. إن تقدم التطور الرأسمالي على نطاق واسع خلال سنوات سبعين قد أوصلنا حيث نستطيع اليوم أن نشرع في تدمير الرأسمالية مرة واحدة وإلى الأبد. لا، بل هناك ما هو أكثر من ذلك، لسنا اليوم في موقع نستطيع القيام منه بأداء هذه المهمة فحسب، وليس أداء هذه المهمة واجب علينا تجاه البروليتاريا فحسب، بل أن الحل الذي نقدمه هو السبيل الوحيد إلى خلاص المجتمع الانساني من الدمار (تصفيق حاد). فما الذي خلفته الحرب من المجتمع الرأسمالي سوى كومة عملاقة من الحطام؟ بالطبع لا تزال كل قوى الانتاج ومعظم أدوات السلطة الحاسمة، شكليا في يد الطبقات المسيطرة. ليست لدينا أية أوهام حيال ذلك. ولكن ما يستطيع حكامنا أن يحرزوه بالسلطات التي يملكونها فوق محاولاتهم المسعورة بالدم والقتل لإعادة بناء نظامهم، نظام السلب والنهب لن يكون أكثر من فوضى. لقد وصلت الأمور حدا أصبحت الانسانية معه أمام واحد من خيارين: فأما أن تهلك وسط الفوضى، أو أن تجد خلاصها في الاشتراكية. فمن المستحيل على الطبقات الرأسمالية نتيجة للحرب الكبرى أن تجد مخرجا من الصعاب التي تجابهها في الوقت الذي تحفظ فيه بحكمها الطبقي. إننا الآن على يقين من الصحة المطلقة للكلام الذي صاغه ماركس وإنجلز أول مرة كأساس علمي للاشتراكية في الميثاق العظيم لحركتنا، البيان الشيوعي. ستصبح الاشتراكية ضرورة تاريخية. الاشتراكية محتومة، لا لأن العمال ما عادوا يرغبون في العيش بالشروط التي تفرضها الطبقة الرأسمالية فحسب، بل أيضا لأنه إذا فشلت البروليتاريا في أداء واجبها كطبقة، إذا فشلت في تحقيق الاشتراكية، فإننا سننتهي جميعا إلى مصير أسود مشترك. (تصفيق طويل)."(1) 
كل كلمة من كلمات روزا لوكسمبورغ هنا لها راهنية بل تشكل نقطة برنامجية على جدول البروليتاريا العالمية.كما اشعل عمال كمونة باريز ثورتهم البروليتارية وأقاموا اول دولة ديكتاتورية البروليتاريا قامت ايضا الثورة البلشفية من اجل مواصلة مهمة بناء الدولة الاشتراكية، كذلك اسست روزا ورفاقها حزبا شيوعيا ثوريا لذات المهمة وعلى هذا الدرب الطويل قامت ثورات وتأسست منظمات واحزاب.
3- ما هي الاجوبة المقدمة وما هي العواقب؟
للجواب على سؤال بناء الاشتراكية في بلد واحد برز جوابان رئيسيان وهما:
1- ان مهمة انجاز الثورة الاشتراكية اصبحت مهمة آنية وهي مطروحة على جدول الاعمال امام البروليتاريا وأي تأخير في ذلك يعني فسح المجال للرأسمالية في مرحلتها العليا اي مرحلة التعفن لتهديد البشرية.وإمكانية تحقيق هذه الثورة قائمة في الحلقة الضعيفة من السلسلة الامبريالية والتي يمكن ان تكون بلدا واحدا او عددا محدودا من البلدان.
2- يستحيل بناء الاشتراكية في بلد واحد لان تطور الرأسمالية بات يجعل من البلدان اجزاء تابعة للكل وبالتالي فان الطابع العالمي للثورة هو المحدد ولذلك فان بناء الاشتراكية لن يكون ممكنا إلا على هذا الصعيد.
كان لكل جواب من هذين الجوابين تاثيرا بالغا في تشكيل تيارات فكرية قائمة الذات وعلى قاعدة هذا التمايز تم تأسيس احزاب وتكتلات واندلعت حروب فكرية وسياسية وصلت حد المواجهة العنيفة والدموية.
لا زال هذا الصراع يلقي بتبعاته الى اليوم على العلاقات بين التنظيمات الماركسية وهو ما يغذي العداوات ويلعب دورا بالغا في تفجير اية خطوة للعمل المشترك او عقد التحالفات.نظرا لهذه الاهمية سنسعى بدورنا الى بحث في اسباب وخلفيات كل موقف وشروط ظهوره كما سنعمل على تقديم ما نراه من حجج ومسوغات لبناء موقف نريده موضوعيا علميا ومقنعا، يسمح بإطلاق دينامية المساهمة في انجاز مهام البروليتاريا ببلادنا وعلى الصعيد الاممي. 
4- لمحة تاريخية عن الاشكالية.
احتل الصراع حول قضية سدادة او خطأ بناء الاشتراكية في بلد واحد الصدارة وسط الحركة الشيوعية العالمية في بداية عشرينيات القرن الماضي في الاتحاد السوفيتي.فكانت المعارضة "اليسارية" داخل الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي هي من اثارت المسالة معتبرة ان القول ببناء الاشتراكية في بلد واحد يعتبر انحرافا عن الارث اللينيني بل هو تخلي عن الماركسية وتعاليمها، كما اعتبرت ان مثل هذه الدعوة لا تجد سندا او حجة في الفكر الماركسي بل وردت لأول مرة على لسان جورج فون فولمار عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني:
" مفهوم "الاشتراكية في بلد واحد" لم ينشأ في روسيا ولكن في ألمانيا حيث تم نشره من قبل الاشتراكي الديمقراطي اليميني البافاري، جورج فون فولمار. في عام 1879 نشر مقالا بعنوان "دولة اشتراكية معزولة" والذي وضع فيه الأساس الأيديولوجي للنمو اللاحق للوطنية الاجتماعية داخل الاشتراكية الديموقراطية الألمانية. هكذا انتهى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD) بدعم حكومته خلال الحرب العالمية الأولى على أساس أن ألمانيا قدمت أفضل الظروف لبناء الاشتراكية. توقع Vollmar فترة طويلة من "التعايش السلمي" بين دولة اشتراكية معزولة والعالم الرأسمالي عبرها تثبت الاشتراكية تفوقها من خلال تطوير التكنولوجيا وانخفاض تكاليف الإنتاج"(2) 
يتضح مما سبق ان تصور فولمار لبناء الاشتراكية في بلد واحد يعتمد على التحول السلمي والتدريجي للمجتمع وبما ان المانيا تعرف تسارع نضج قوى الانتاج، فان الانتقال الى الاشتراكية سيأخذ هذا المسعى، وطبعا هذه هي اطروحات كاوتسكي والتي سنقف عندها بما يلزم من التفصيل.
اعتبرت المعارضة "اليسارية" السوفيتيتة وبقيادة تروتسكي ان الاطروحات السائدة في الحزب الشيوعي السوفيتي ليست الا امتدادات لهذه للنظرية فولمار.لكن عند تتبع موقف هذه المعارضة نفسها نجد انها كانت الى حدود وفاة لينين في سنة 1924، كانت تعتبر ان الثورة البلشفية قد نجحت وهي في طريقها لبناء المجمع الاشتراكي. هذا الموقف سيتغير تدريجيا لتتوجه بنقدها لطريقة بناء الاشتراكية نفسها، وهكذا ركزت على مؤاخذة اساسية تتعلق ببطء عملية بناء القاعدة المادية للاشتراكية، فطالبت بتسريع هذه الوثيرة والرفع منها، وهو ما قدمت بشأنه توصية للمؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي الامر الذي تم رفضه حسب زعم تروتسكي، لأن التوصية تكلمت عن الشروط الدولية والتي فهم منها ستالين انها تريد تمرير نظرية تروتكسي حول الاشتركية على الصعيد العالمي.
" سبق لبوخارين ان قال " نحن سوف نبني الاشتراكية إذا لزم الأمر بوتيرة الحلزون"، في حين أصر ستالين أنه ليس من الضروري إدخال العامل الدولي في مجال التنمية الاشتراكية.كان التصور الستاليني الخاطئ يرى بأن الخطر الوحيد الذي يتهدد بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي كان هو التدخل العسكري وتجاهل الضغط الهائل على البلاد من قبل السوق الرأسمالي العالمي."
…" ناضل تروتسكي للحصول على أعلى معدل للنمو الصناعي للتصدي لهذا الضغط، في حين رفض في الوقت نفسه تصميم اقتصاد الاكتفاء الذاتي. كان يرى ان تطوير التخطيط الوطني البحت والذي لا تأخذ في الاعتبار العلاقة بين الاقتصاد السوفيتي والسوق العالمية انه محكوم بالفشل. وأصر على أن على الاتحاد السوفيتي ان يستفيد من التقسيم الدولي للعمل، وله الحق في الوصول إلى الموارد التكنولوجية والاقتصادية للبلدان الرأسمالية المتقدمة لتطوير اقتصاده""(3) 
في الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي والتي انعقدت في ابريل 1926 تقدمت المعارضة بالتعديل التالي لنظرية السلحفاة: 
"سيكون من الخطأ جذريا ألاعتقاد بأنه يمكن التقدم نحو الاشتراكية بوتيرة قررت تعسفا ونحن محاطون بالرأسمالية. ان التقدم نحو الاشتراكية لن تكون مضمونة إلا إذا كانت المسافة الفاصلة بين صناعتنا والصناعة الرأسمالية المتقدمة …تتقلص بالملموس بدلا من ان تنمو. " وقد رفض التعديل لان ستالين اعتبره يحتوي على هجوم" مقنع "ضد نظرية الاشتراكية في بلد واحد. (4)
لكن في المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي السوفيتي والذي انعقد في شهر نونبر 1926 تم تغيير الخطة والإقرار برفع الوثيرة من اجل تدارك التأخر في اقل مدة زمنية وتجاوز المستوى الصناعي للبلدان الرأسمالية المتقدمة.ذلك ما جسده شعار:"اللحاق بالركب، وتجاوزالعالم ضمن مدة زمنية قصيرة نسبيا"
المثير للاستغراب هو انه لما قرر الحزب الرفع من الوثيرة في عملية البناء،انتقلت المعارضة الى طرح حجج اخرى متجاهلة النتائج الهامة التي بدأت تحققها هذه الخطة الجديدة والتي لم تكن المعارضة تتوقعها(5).وبعد طرده سنة 1926 من المكتب السياسي للحزب، سيتصدر تروتسكي بشكل واضح التعبير عن الرفض الجذري لكل سياسات الحزب بما فيها خطة بناء الاشتراكية في روسيا. هكذا كتب في مقدمته للطبعة الألمانية من "الثورة الدائمة" عام 1930، ما يلي:
"تتعامل الماركسية مع الاقتصاد العالمي، ليس بوصفه مجرد تجميع لأجزاء وطنية بل كواقعة قوية ومستقلة أنشأها التقسيم الدولي للعمل والسوق العالمية، والتي في عصرنا الحاضر، تهيمن على جميع الأسواق الوطنية . لقد تجاوزت القوى المنتجة في المجتمع الرأسمالي ومنذ فترة طويلة الحدود الوطنية. لم تكن الحرب الامبريالية (1914-1918) إلا احد مظاهر هذا الواقع . يجب أن يمثل المجتمع الاشتراكي من وجهة نظر الإنتاج والتكنولوجيا مرحلة أعلى من الرأسمالية. إذا كنا نقترح بناء مجتمع اشتراكي داخل الحدود الوطنية، فان ذلك يعني أنه على الرغم من النجاح المؤقت فإننا نكبح القوى المنتجة، حتى بالمقارنة مع الرأسمالية. سيكون من الطوباوية الرجعية الرغبة في خلق نظام متناغم وكافي في إطار وطني يتألف من جميع القطاعات الاقتصادية دون الاخذ بعين الاعتبار الشروط الجغرافية والتاريخية والثقافية للبلد الذي هو جزء من وحدة العالم".(6) 
و سيزداد الموقف وضوحا وتعميقا للخلاف لما عاد تروتسكي للموضوع و فصل فيه في مقالة كتبها سنة 1936 نقتبس منها الفقرات الرئيسية التالية:
"يجب ان "تتجاوز" الاشتراكية حتما في جميع المجالات الرأسمالية ، كما كتبته المعارضة اليسارية في وثيقة وزعتها بشكل غير قانوني على اوسع نطاق في مارس 1927 "، ولكن يتعلق الامر الآن، ليس بالعلاقة بين الاشتراكية والرأسمالية بشكل عام، ولكن بالتنمية الاقتصادية في الاتحاد السوفيتي بمقارنة مع ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة. ما هو المقصود من الحد الأدنى للفترة التاريخية؟ سنبقى بعيدين عن مستوى الدول المتقدمة في الغرب خلال الفترات الخمسية القادمة. ماذا سيحدث خلال هذه الفترة في العالم الرأسمالي؟ على افتراض أنه يمكن أن تحدث طفرة جديدة و من المتوقع أن تستمر لعقود، فالحديث عن 
الاشتراكية في بلادنا المتخلفة هو ابتذال مؤسف. علينا بالاعتراف بأننا كنا مخطئين على طول الخط عندما حكمنا بان عصرنا هو عصر تعفن الرأسمالية. ان الجمهورية السوفيتية هي في هذه الحالة ليس إلا التجربة الثانية لديكتاتورية البروليتاريا، تجربة أوسع وأكثر غنى من كومونة باريس، انها تجربة لاغير …مع ذلك هل توفرت لدينا اسباب معقولة للقيام بمراجعات جريئة لقيم عصرنا ولمعنى ثورة أكتوبر منظورا لها كحلقة في الثورة العالمية؟ لا. لقد انهت البلدان الرأسمالية إلى هذا الحد أو ذاك فترة إعادة الإعمار (بعد الحرب)، انها وجدت نفسها امام كل التناقضات المحلية والدولية السابقة بل توسعت وتفاقمت بكثير. وهذا هو الأساس للثورة البروليتارية. إنها لحقيقة أننا نبني الاشتراكية. ان الكل أكبر من الجزء، بل انها لحقيقة بان الثورة تتحضر في أوروبا والعالم. الجزء لا يمكنه الفوز إلا مع الكل … ان البروليتاريا الأوروبية تحتاج الى وقت أقل بكثير لشن هجوم للاستيلاء على السلطة من الوقت الذي نحتاجه نحن من اجل الفوز على المستوى التقني على أوروبا وأمريكا … علينا في غضون ذلك التقليص بشكل منهجي من الفجوة بين مردودية العمل عندنا وعند الغير. كلما تقدمنا كلما كنا اقل عرضة للتهديد من قبل تدخل محتمل من قبل الأسعار المنخفضة، وبالتالي من التدخل المسلح … كلما حسنا من حياة العمال والفلاحين كلما سرعنا بكل تأكيد بالثورة البروليتارية في أوروبا . وبسرعة ستثرينا هذه الثورة بالتكنولوجية العالمية، وتقنية مضمونة، أكثر اكتمالا سيكون بناؤنا للاشتراكية كعنصر من اشتراكية أوروبا والعالم. " لقد بقيت هذه الوثيقة، مثل الكثير غيرها دون إجابة، اللهم إلا إذا اعتبرنا الطرد من الحزب والاعتقالات كإجابات. التسطير من عندي.(7)
هكذا نضجت فكرة تروتسكي عن الثورة الاشتراكية المستحيلة في البلد الواحد بل عارضها واعتبرها تجربة لاغير وانتهت وهو هنا يبتعد كثيرا عن الاطروحات اللينينية في راهنية انجاز الثورة وبناء الاشتراكية في روسيا رغم الكلام الغليظ حول الثورة العالمية وغيرها من الشعارات البراقة.رجع في اخر مقال كتبه في الموضوع سنة 1939 ليؤكد بان الثورة البلشفية لن يكتب لها النجاح ما لم تقم الثورة الاشتراكية العالمية كما عارض السياسية التي اتبعت في الصين على اعتبار ان الصين غير مهيأة بدورها لبناء الاشتراكية في غياب الثورة الاشتراكية على الصعيد العالمي.
"لخص تروتسكي نظريته في مقالة كتبها سنة 1939 بعنوان "ثلاثة مفاهيم للثورة الروسية": "الانتصار الكامل للثورة الديمقراطية في روسيا لا يمكن فهمه إلا في شكل دكتاتورية البروليتاريا المعتمدة على الفلاحين . ديكتاتورية البروليتاريا، التي حتما ستضع على جدول الأعمال، ليس فقط المهام الديمقراطية، ولكن أيضا المهام الاشتراكية، ستعطي في نفس الوقت دفعة قوية للثورة الاشتراكية الدولية. وحده انتصار البروليتاريا في الغرب من سيحمي روسيا من استعادة البرجوازية للسلطة وسيؤمن لها الفرصة لقيادة البناء الاشتراكي حتى النهاية. "(8) 
هنا ايضا يضع تروتسكي نفسه في تعارض مع نظرية لينين التي كانت تضع شرطين اساسين لنجاح الاشتراكية في روسيا وهما بالإضافة الى ما ذكره تروتسكي من اندلاع ونجاح ثورة اشتراكية في اوروبا هناك شرط لينيني آخر لا يقل اهمية عنه وهو عندما لا تندلع تلك الثورة ليس من ضامن لنجاح بناء الاشتراكية إلا بناء التحالف العمالي الفلاحي القوي، وسنعرض لهذه الامور في مكان مناسب من هذا المقال.
كانت هذه هي اهم الاعتراضات النظرية والسياسية على بناء الاشتراكية في البلد الواحد والتي لعب فيها تروتسكي الدور الرئيسي.وأضيفت لهذه الاعتراضات حجة ان لينين نفسه لم يسبق له ان تكلم عن بناء الاشتراكية في روسيا وإنما كان من انصار الثورة الاشتراكية على الصعيد العالمي.ولذلك اعتبرت نظرية بناء الاشتراكية في بلد واحد، دعوة للنزعة الوطنية، لعب فيها ستالين الدور المحوري وهي ايضا تجسيد الى الروح المنشفية لأصحابها وطلاقهم التاريخي مع البلشفية واللينينية.
في نقاش هذا الموضوع نصطدم مجددا مع محاولة اقحام لينين تحت راية تروتسكي بزعم ان هذا الاخير اصبح بلشفيا وفي المحصلة اصبح لينين بدوره تروتسكيا بعد ابريل 1917.
مرة اخرى تجد الحركة الماركسية نفسها في نفس الموقف الذي كانت عليه نهاية القرن التاسع عشر عند دحر التوجه الاشتراكي- الديمقراطي بقيادة كاوتسكي، ففي هذه المرة توضع الحركة الشيوعية العالمية امام مفترق طرق كل واحدة تفضي الى اهداف متناقضة لكن كل واحدة تحتول توظيف المكانة القيادية التي تعود للقائد والمعلم لينين.
هل كان موقف لينين هو نفس موقف تروتسكي من مسالة بناء الاشتراكية في روسيا؟ ذلك ما روج له تروتسكي نفسه ويدعيه اليوم انصار الاممية الرابعة.فما هي حجتهم في ذلك؟
ففي مقال نشر سنة 1936 كملحق لكتاب "الثورة المغدورة" تناول تروتسكي بشيء من التفصيل مواقف لينين من المسالة
في عام 1915، كتب لينين:
"ان التفاوت الاقتصادي والسياسي هو القانون المطلق للرأسمالية، ويترتب على ذلك أن انتصار الاشتراكية ممكن في البداية في عدد قليل من البلدان الرأسمالية أو حتى في بلد رأسمالي واحد معزول. ان البروليتاريا الظافرة في هذا البلد، وبعد مصادرة الرأسماليين وتنظيم الإنتاج الاشتراكي في الداخل، ستقف في وجه بقية العالم الرأسمالي، وتجذب إليها الطبقات المضطهدة من البلدان الرأسمالية الأخرى، وستدفعهم إلى التمرد على الرأسماليين، وقد تلجا، إذا لزم الأمر، الى القوة العسكرية ضد الطبقات المستغلة ودولتهم " ()9 (التسطير من عند تروتسكي).
وفي رسالة الوداع التي بعثها لينين الى العمال السويسريين عند مغادرته بلدهم والتحاقه بروسيا في شهر فبراير 1917 كتب يقول:
"روسيا بلد الفلاحين، واحدة من الأكثر تخلفا في أوروبا. لا يمكن للاشتراكية ان تنتصر على الفور وبشكل عفوي، ولكن الطابع الفلاحي في البلاد يمكن، استنادا إلى تجربة عام 1905 ونظرا للكمية الهائلة من الأراضي الموجودة في أيدي الطبقة الارستقراطية، ان يعطي دفعة قوية للثورة الديمقراطية البرجوازية في روسيا ويجعل من ثورتنا مقدمة للثورة الاشتراكية العالمية، وهي خطوة نحو ذلك … لا يمكن للبروليتاريا الروسية بقوتها الذاتية ان تستكمل بنجاح الثورة الاشتراكية، لكنها يمكن أن تعطي للثورة الروسية زخما من شانه ان يخلق على نطاق واسع أفضل الظروف لثورة الاشتراكية ويفجرها، بمعنى من المعاني. يمكن أن يسهل التدخل في معارك حاسمة، لحليفها الرئيسي، الموثوق فيه المخلص، اي البروليتاريا الاشتراكية الأوروبية والأمريكية "(10) 
فلنلاحظ هنا ان لينين يوجه الكلام الى بروليتاريا سويسرا وعبرها البروليتاريا الاوروبية والعالمية انه يحشد القوى الاممية وباعتباره قائد من هذه الدرجة فانه لا يفلت اية مناسبة من اجل وضع المهام امام جنوده.فهو ذاهب من اجل المساهمة في بناء الاشتراكية في بلده المتخلف كما قال لكنه يضع البقية امام مسؤولياتها.انها اللنينية كما طبقها لينين نفسه.
ويضيف تروتسكي هذا الاستشهاد الهام من كلام لينين وهو ما سنبين اهميته لاحقا:
"أكدنا في سلسلة من الكتب وفي جميع تدخلاتنا، للصحافة انه ليست الحال في روسيا كما هي في البلدان الرأسمالية، لدينا أقلية من العمال الذين يعملون في الصناعة و أغلبية كبيرة من صغار المزارعين. في مثل هذا البلد، لايمكن أن تنتصر ثورة اجتماعية إلا وفق شرطين: الأول ان تكون مسنودة في الوقت المناسب من قبل الثورة الاجتماعية في بلد متقدم واحد أو أكثر … الشرط الثاني هو الاتفاق بين البروليتاريا الممارسة لدكتاتوريتها أو الحائزة على سلطة الدولة وغالبية السكان الفلاحين …"ونحن نعلم أنه لا يمكن انقاذ الثورة الاشتراكية في روسيا إلا بموافقة من الفلاحين ما لم تحدث الثورة في بلدان أخرى" (11). 
ومن اجل تسليط الضوء اكثر على موقف لينين نسوق ايضا ما كتبه في مقالة شهيرة لكونها اعتمدت في الدفاع على مسالة بناء الاشتراكية في بلد واحد وهي المقالة التي ناقش فيها شعار الولايات المتحدة الاوروبية:
"من ناحية أخرى فان الثورات السياسية لا مفر منها في مسار الثورة الاشتراكية التي لا ينبغي أن ننظر اليها وكأنها فعل واحد، ولكن كفترة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية العاصفة، من الصراعات الطبقية الحادة جدا، ومن الحرب الأهلية ومن الثورة والثورة المضادة."….(12)
"ان الولايات المتحدة في العالم (وليس أوروبا) تأخذ هذا الشكل من الدولة – شكل اتحاد وحرية الامم – التي نربطها بالاشتراكية – في انتظار النصر الكامل للشيوعية الذي يتوج بالاختفاء النهائي لأي شكل من اشكال الدولة، بما في ذلك الدولة الديمقراطية. ومع ذلك، وكشعار مستقل، شعار الولايات المتحدة في العالم ليس صحيحا: أولا، لأنه سيتم خلطه مع الاشتراكية. ثانيا، لأنه قد يؤدي إلى سوء تفسير استحالة انتصار الاشتراكية في بلد واحد وموقف الدولة تجاه الآخرين. ان التفاوت الاقتصادي والسياسي هو القانون المطلق للرأسمالية. ويترتب على ذلك امكانية انتصار الاشتراكية في البداية في عدد قليل من البلدان الرأسمالية أو حتى في بلد مأخوذ على حدى"(13)
من خلال استعراضنا لكافة المواقف من قضية بناء الاشتراكية في بلد واحد يمكننا استنتاج اهم الخلاصات:
1- احتد الصراع حول مسالة بناء الاشتراكية في بلد واحد انطلاقا من 1924 اي بعيد وفاة لينين فكانت مناسبة نقاش السياسات المتبعة من طرف الحزب وخاصة حول تطوير البنية التحيتة والعلاقات المتبعة في البادية ونزع ملكية الملاكين الاراضي الكبار والتأميم.هكذا ظهرت معارضة بدأت تعبر عن نفسها وتمحور الصراع حول وثيرة البناء وكانت تنتقد البطء وتحمله مسؤولية تخلف البلاد عن المنظومة الاقتصادية عبر العالم وخاصة مع الدول الرأسمالية المتقدمة.
2- بعد احتداد الصراع مع المعارضة خاصة بعد 1927 اخذت مسالة بناء الاشتراكية في بلد واحد طابع التناقض التناحري وبرزت نظرية تروتسكي بشكل جلي وربطها بموضوعته الشهيرة "الثورة الدائمة".اعتبرت من طرف المعارضة كل دعوة لبناء الاشتراكية في بلد واحد هي التجسيد المنشفي للنزعة الوطنية والغرق في رأسمالية الدولة والانفصال النهائي عن الماركسية وارث لينين.
3- حاول تروتسكي نسبة نظريته في الطابع العالمي للثورة الاشتراكية واستحالة نجاحها في البلد الواحد الى لينين وأنهما متفقان في الموضوع، وهو ما تكذبه الوثائق والتصريحات للينين وطبعا الممارسة.لقد حاول تروتسكي الاعتماد على استشهادات من لينين لكنها كانت مبتورة او منزوعة من سياقها.وبالتالي ليس هناك اي اساس نظري يمكن اعتماده لاتباث وحدة الرؤيا بين لينين وتروتسكي في الموضوع.
4- في الممارسة السياسية والعملية يتضح ان لينين كان منشغلا بخطط بناء الاشتراكية في روسيا ولذلك كان يفكر على صعيدين اثنين وبشكل جدلي:على الصعيد الوطني، اي روسيا قاد عملية بناء "رأسمالية الدولة" لكنها من نوع جديد وهي سياسة نيب(NEP) ورعاها بما توفرت له من قوة نظرية وصحية وقد قام بأول تقييم شامل لها قدمه في المؤتمر العاشر للحزب وكان شديد النقد في الهفوات وحرص بشدة على دفع القادة والقواعد لمعمعان الميدان وطلب من الجميع تعلم كيفية ادارة الاقتصاد والقضايا المادية لحياة المواطن.انه كان يشرح للجميع انهم في مرحلة البناء الغير مسبوق لمجتمع جديد لا يملكون عنه اية معرفة مسبقة.(14) الخطاب امام المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوفيتي.
اما على الصعيد الدولي، كان لينين يقود حزبه من اجل توفير كل الشروط المادية والسياسية لحماية الثورة من العدوان الخارجي ولكن وأساسا لاستنهاض الحركة الشيوعية العالمية وتسليح البروليتاريا للقيام بالثورة الاشتراكية في بلدانها لان المرحلة هي مرحلة البناء الاشتراكي في العديد من البلدان، فعمل على تأسيس الاممية الثالثة التي هي نقذ وبديل عن الاممية الثانية التي تفسخت بل انتقلت الى الصف المعادي.
5- في اتخاذ الموقف اسس نظرية وسياسية وتاريخية.
من خلال ما سبق يمكننا استعراض موقفنا من مسالة بناء الاشتراكية في بلد واحد، والتي نعتبرها مسالة ذات راهنية وتستحق الوقوف المتأمل فيها لما لها من تأثير على مستقبل خطنا السياسي والأيديولوجي.
ليس اعتباطيا كونها اصبحت حجر الزاوية في الصراع الدائر بين الاتجاه الماركسي اللينيني والاتجاهات التروتسكية.ان القول باستحالة بناء الاشتراكية في البلد الواحد او مجموعة بلدان والدعوة لاعتبارها ثمرة الثورة العالمية هو بمثابة توجيه الضربة القاضية للنظرية اللينينة في الثورة الاشتراكية والزج بمجمل الحركة الشيوعية في نوع من الانتظارية والمعاداة لكل ارادة انجاز الثورة في الحدود الوطنية.
ان الزعم بان المجتمع الاشتراكي لا يحتمل الحدود الوطنية، لان تطور قوى الانتاج اصبح يتجاوز هذه الحدود، هو بالضبط السقوط في نظرية الاضمحلال التدريجي للرأسمالية وتحولها الى الاشتراكية بعد ان تنضج قوى الانتاج وتفرض علاقات انتاج مناسبة. انه السقوط في الكاوتسكية رغم كثرة الزعيق حول محاربتها.
من حيث ارتباط النظرية بالممارسة، فان التجربة التاريخية تؤكد بان الاتجاهات الماركسية اللينينية خاضت تجارب محاولة بناء الاشتراكية في بلد واحد او مجموعة بلدان،فكانت النتيجة لحد الساعة هي الاخفاق، بينما يسجل على الاتجاهات التروتسكية ورغم وجود الاممية الرابعة، انها عجزت الى يومنا هذا في قيادة اي تجربة تهيء شروط الثورة الاشتراكية العالمية، اللهم خوض الصراع الحاد قد يصل الى العداء تجاه اية تجربة للندلاع الثورة البروليتارية من اجل بناء الاشتراكية او التمهيد لها فتساهم هذه الاتجاهات في العمل على اجهاض وعزل تلك التجارب الفتية.لقد وصل الصراع احيانا الى تحول هذه التيارات الى قوى مضادة للثورة في البلد الواحد بمبررات نظرية الثورة الدائمة والثورة العالمية.
يتضح من النقد الذي وجهه تروتسكي وأتباعه الى تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي انه نقد ركز على قضايا هامشية ولم يستطع النفاذ الى جوهر عملية البناء وما هو المطلوب كثورة اقتصادية تنفذ الى موضوع الملكية في المجتمع الاشتراكي ومسالة استمرار العمل المأجور(15) وتناقضه مع وجود دولة ديكتاتورية العمال ومسالة تبادل البضائع وقيمتها وقضايا التحالفات الطبقية وعلاقة الحزب بالطبقة العاملة ومسالة سلطة الدولة وموقع الشعب منها ومن مراقبتها، وقضايا الدولة ومعضلة اضمحلالها ثم علاقة الدولة الاشتراكية مع محيطها الصديق ثم المعادي.
ان الجواب اليوم كما بالأمس على مسالة بناء الاشتراكية في البلد الواحد هو بنعم، لأنه يساعد على دفع العملية الثورية ببلادنا وعبر العالم الى مراكمة التجارب والتقدم بالارتكاز الى التجارب المكتسبة والعمل على فتح ثغرات في الجبهة الامبريالية وتكسيرها انطلاقا من حلقاتها الضعيفة كما اوصى وبرهن على ذلك لينين.ان بناء الاشتراكية تعتبر مهمة راهنة وهي على جدول اعمال البروليتاريا اينما استطاعت سبيلا الى ذلك، وتوفرت لها الشروط.ان الطابع الاممي لنضال البروليتاريا زاد قوة مع عولمة الرأسمالية ومع توحشها الذي بات يهدد البشرية جمعاء والحياة على كوكب الارض.ان تأجيل انجاز الانتقال الى الاشتراكية هو امداد الرأسمالية المتعفنة بالمزيد من الوقت اي بافساح المجال لها لانتاج المزيد من المآاسي والويلات.
———————————————————————————————————————————–
المراجع:
(1): في برنامج سبارتاكوس.فقرة من نص الخطاب الذي ألقته روزا لوكسمبورغ في 30 ديسمبر 1918 في المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي لألمانيا.
(2): المحاضرة السادسة الجزء الاول حول الاشتراكية في بلد واحد او الثورة الدائمة.بقلم بيل فان اوكن.
(3): المحاضرة السادسة الجزء الثاني حول الاشتراكية في بلد واحد اوالثورة الدائمة. بقلم بيل فان اوكن.
(4): نفس المرجع.
(5): ستالين نظرة اخرى لودو مارتينز ترجمة حسن عودة.ص ص:من 115 الى 120.
(6): المحاضرة السادسة الجزء الثاني حول الاشتراكية في بلد واحد اوالثورة الدائمة.بقلم بيل فان اوكن
(7): نفس المرجع.
(8): نفس المرجع.
(9): لينين، الأعمال المختارة، المجلد. الحادي والعشرين، ص. 354 من الطبعة الفرنسية. سوسيال- ديمقراط، رقم 44 23 أغسطس 1915.
(10): لينين، الأعمال المختارة، المجلد الثالث والعشرون، ص. 400 من الطبعة الفرنسية.
(11): (لينين، الأعمال المختارة، المجلد الثاني والثلاثون الطبعة الفرنسية).
(12): لينين مقالة حول شعار الولايات المتحدة الاوروبية.
(13): نفس المرجع.
(14): لينين من خطابه امام المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوفيتي.
(15): حكمت منصور تجربة الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي 1986.
وفيما يتعلق بمسألة "الاشتراكية في بلد واحد" يجب أن تفسر بوضوح عدة نقاط:
أولا، في رأيي، من الناحية النظرية، ودون أي اعتبار لمسألة الاتحاد السوفياتي، وإقامة الاشتراكية في بلد واحد، وهذا يعني إقامة علاقات مبنية على الملكية المشتركة، وإلغاء العمل المأجور، الذي اعتبره ماركس بمثابة الاحاطة العريضة للمرحلة الأولى من الشيوعية ليس فقط من الممكن تماما ولكنها ضرورية لمصير الثورة العمالية. ان إقامة الاشتراكية هي المهمة العاجلة والضرورية بالنسبة لاية طبقة عاملة تتمكن من الوصول إلى السلطة السياسية في البلاد. وأرى أنه من غير المقبول وغير ماركسي تلك المفاهيم والنظريات التي، تحت أي ذريعة، تزعم بان برنامج البروليتاريا المتحصلة على السلطة في مكان ما، لا ينبغي أن يسعى لإقامة اقتصاد اشتراكي يقوم على الملكية المشتركة وإلغاء نظام الأجور، وانه يجب الانتظار لوقت آخر.
ثانيا، في رأيي، فإن التمييز التي أدلى به ماركس بين مرحلتي الشيوعية واضح جدا وصالح ويرتبط مباشرة بالمهام الاقتصادية للديكتاتورية البروليتاريا. لا أعتقد أن الشيوعية (في المرحلة العليا الخاصة بها) ممكنة في بلد واحد. والسبب هو أن الملامح الرئيسية لهذه المرحلة هي: الوفرة الاقتصادية، وتطوير هائل للقوى المنتجة، والثورة الأساسية في موقف الإنسان في المجتمع والتحول الجذري الذي سيحصل في مجال الأخلاق، واضمحلال الدولة، الخ. ووجود شروط غير متحققة. فعلى سبيل المثال، ما دامت هناك حدود قائمة بمثابة الخط الفاصل بين المجتمعات الاشتراكية والمجتمعات الرأسمالية، فان اضمحلال الدولة سيكون من الصعب تحقيقه. ولكن الاشتراكية كمرحلة أولى للشيوعية فهي ليست ممكنة فحسب، بل كما قلت حاجة.
ثالثا لا بد لي من الإشارة إلى أنه في النقاش الاقتصادي في العشرينيات من القرن 20 وسط الحزب البلشفي، و "الاشتراكية في بلد واحد" كان بمتابة الراية التي اعلنت عن اعادة ظهور القومية البرجوازية المتخلفة، عملت على هيمنة وجهة النظر البرجوازية في مجال الإنتاج. وبعبارة أخرى، على الرغم من أن صيغة "الاشتراكية في بلد واحد" ليست في حد ذاتها انحرافا كراية لحركة معينة في فترة معينة، انه كان علامة اهجوم مضاد للعمال اشر على هزيمة الثورة الروسية. Iانني ادين هذه الحركة باعتبارها سمحت بإقامة البديل البرجوازية في المجتمع الروسي.
اولئك الذي كانوا ضد، الذين أشاروا إلى أن هذه الراية تعني استئناف القومية البرجوازية، فانهم لجأوا إلى فكرة "الثورة العالمية". لاحظ أن حركة ستالين والمعارضة، على الرغم من خلافاتهما، فانهما يتقاسمان ارضية مشتركة كبيرة. اولا يتضح ذلك في كون الاختلاف لم يكن حول كلمة "اشتراكية" ولكن على "دولة واحدة" لم يكن هناك خلاف على صيغة "الاشتراكية" بين المعارضة والخط الرسمي لستالين. يبدو أن لا أحد يشعر بالاختلاف فيما يتعلق بالتدابير التي يتعين أجراؤها تحت اسم الاشتراكية، يبدو أن الجدل يتعلق فقط حول جدواها "في بلد واحد". أظهر مسار الثورة الروسية لاحقا كيفية تمكنت فصيل ستالين الذي يتشكل مناقلية على استحواذ على الاطروحات الاقتصادية الاقتصادية للمعارضة المتحدة (تروتسكي، زينوفييف) وكيف كان دائما فقدت الحركة التروتسكية السلاح في ما يتعلق بمسألة البنية الاقتصادية للاتحاد السوفياتي. كان تيار "الاشتراكية في بلد واحد" لا ينتقد كوجهة نظر اشتراكية. ان "اشتراكية" هذا التيار، الذي هو عبارة عن مجموعة من التدابير لسيطرة الدولة على الاقتصاد، والتصنيع وتطوير القوى المنتجة من خلال الحفاظ على الأجور لم يتعرض لنقد معارضة من طرف بديل اشتراكي على الإطلاق. في المعركة بين الطرف المسؤول والمعارضة، لم تكن البروليتاريا الاشتراكية ممثلة، لم ينتبه اي احد إلى التحذير الموجه من طرف إنجلز حول الحاجة إلى ثورة اقتصادية بعد الاستيلاء على السلطة.
حكمت منصور.الترجمة من عندنا.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا