الصفحة الرئيسية • قضايا الفن و الثقافة قراءة في رواية المغاربة لعبد الكريم جويطي

قراءة في رواية المغاربة لعبد الكريم جويطي

كتبه user B

سعد مرتاح

قراءة في رواية المغاربة

رواية المغاربة، رواية تحكي عن الواقع الحقيقي لمجتمعنا المغربي، من خلال سرد حياة ذلك الطفل الذي ولد بمرض بعينيه يتفاقم يوما بعد يوم، بسبب هذا المرض قامت والدته وجديه بزيارة كل الأضرحة المتاحة طلبا له بالشفاء دون جدوة، وفي سنوات عمره الأولى سيتوفى جده حزنا بعد سطوة شركات مافيا العقار وباسم القانون على أراضيه الواسعة مقابل تعويض مالي هزيل أخذ المحامي معظمه،

هذه الرواية وهي تعرض لنا المراحل العمرية المختلفة لمحمد، يأخذنا كاتبها بين الفينة والأخرى لبعض المحطات التاريخية البارزة في تاريخ السياسي القديم والحديث للمغرب، مفندا من خلالها الأكاذيب التي تدرس في المدارس والجامعات حوله، موضحا الحقيقة، أنها كانت مليئة بالدم والجرائم والمجازر التي ارتكبها مختلف الملوك والسلاطين من أجل الحكم والسلطة والمال، كمثال المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها جيوش “المولى” إسماعيل في الحق المئات من العزل، أو مجازر التي ارتكبتها سلطات الحسن الثاني بعد انتفاضة 1973، وفيما بعد فبركتها لأحزاب سياسية وهمية كجبهة “فديك” لمواجهة تنظيمات الحركة الوطنية (الاتحاد الوطني لقوات الشعبية والاستقلال والتقدم والاشتراكية) وكيف فيما بعد تم اختراق قيادات هذه الأحزاب الوطنية أيضا، أو كيف تم إجبار بعض التجار المعروفين على نشر رسائل لرؤساء دول لا يعرفون حتى السبب، كالطريقة التي أرسل بها أب محمد الخبير التجاري في الزرابي رسالة إلى رئيس فرنسا احتجاجا على كتاب “صديقنا الملك” لجيل بيرو ولما سألوه عن الكتاب قال: “لم أقراه فالسلطات قررت أنه مسيئ وانا قمت بالوجب”، وأخرى احتجاجا على غاندي الابن بعد دعمه للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء واد الذهب المعروفة إعلاميا ب”جبهة البوليزاريو”..

شقيق محمد الذي يناديه طيلة الرواية ب “العسكري” والذي عاد بعاهة مستديمة من حرب الرمال فعل كل ما يمكن فعله لإنقاذ أخاه من العمى لكن دون جدوى، ليصاب محمد أخيرا بالعمى التام بعد بلوغه سن الواحد والعشرين.

ذات يوم سيتم استدعاء محمد للقاء الحاج فرح خادم الباشا الصغير، الباشا الفاقد لبصره ايضا، ليخبره أنه يعلم عنه كل شيء وأنه يريد منه انضمامه لنادي ثقافي عبارة عن نقاش في الادب والثقافة بين الباشا الصغير وبين مجموعة من الشباب العمي وأنهم خلال اللقاء سيتم تغيير أسماءهم ليصبح كل شخص اسمه أديب مشهور يضاف اليه اسم الصغير، هكذا سيصير اسمه في تلك الجلسات “عاشور الصغير” وبعض الشباب الذين سبقوه أصبحت أسماءهم “صدقي الصغير”، “توفيق الصغير”. وأيضا بحصوله على وظيفة في البلدية.

محمد سيقع في حب فتاة بعد ما سمع غناءها وهو يستحم، هذ الحب الذي شوش ذهنه لأيام ليقرر أن يرسل لها رسالة وهي تستحم حيث يصعد إلى السطح ويلقيها من النافذة العلوية التي تطل على حمام الجيران، هذه الفتاة التي سنعرف فيما بعد أن اسمها صفية وهي خادمة، قامت سيدتها بطردها بعد معرفتها بقصة الرسائل التي يرسلها محمد لها، فقرر هذا الأخير أن يبحث عنها وان يذهب إلى مكان نشأتها في أحد الجبال النائية رفقة “توفيق الصغير” المدعو حقيقة حسن، وهذا ما فعل بعد رحلة شاقة. وبعد ملاقاة أهل الشابة قرروا الموافقة على الزواج فظن محمد أخيرا ان الحياة ابتسمت له بعد سنوات من الانكسارات والالم والصدمات… لكن فور عودته سيستغل زميله في النادي ذهابه لشراء بعض الأشياء ليأخذ مع الفتاة إلى منزله ويعلنها انها زوجته هو بالقوة.

بعد هجره للنادي الغريب لمدة سيقرر العودة إليه وهناك ستحصل مفاجئة، لما يكتشفوا بسبب خلل تقني أن الذي كان يحدثونه هو الحاج فرح وليس الباشا، وأن الباشا لا وجود له لسنوات عديدة،

 ولكم أن تتخيلوا باقي الحكاية وكيف سيصبح عليه الشاب أعمى، ذلك الشاب الذي جرد من حبيبته وحياته وقناعاته ومواقفه بالقوة.. فإن تخيلتموها بسوداوية تامة تلاءم فعلا واقع مجتمعنا سيكون خيالكم مطابق لباقي تفاصيل الرواية تامة.

أخيرا رواية تستحق فعلا القراءة ما أذهلني فيها بجانب القصة.. معانيها التي شرحت فعلا واقعنا الاجتماعي وما نحن عليه كشعب مغربي في الوقع.. كشعب عاش التسلط والفساد والاستبداد والكذب والتزوير لقرون حتى أصبح فاقدا تماما لإنسانيته..

اقتباسات:

” حلت فتنة “صديقنا الملك” وطلب من الوالد أن يكون في الغذ باكرا في العمالة. وعاد سعيدا مرة أخرى يشهر برقية غاضبة مرة أخرى للرئيس الفرنسي. قال لنا بأنه بعثها لفرنسوا تيميرو. فضحكنا وقلنا له: ميتران، وحكى لنا بأن العامل شرح لهم طويلا كيف أن الاستعمار يريد العودة إلى البلد من بوابة شتم الملك. فسألناه ماذا في الكتاب؟ فرد: لا أعرف. هم الذين قرأوه ونحن نتبعه فقط..” ص:64

” شعب بلا خيال لم يحلم بمجتمع آخر إلا من خلال متنبئين فاشلين ومدعين بئيسين. أينما وليت وجهك ترى الشعب وزع كل آلامه على القبور، وخص كل واحد منها بشفاء من مرض وقعد على قارعة التاريخ ينتظر الكرامات.. وطن دلل وحمى جيوشا نهبت النهابين في الإدارات، وأودع مدنه في أيدي عصابات من الجهال والفاسدين، وجعل من التسول والارتزاق فضيلة، وقتل داخل الناس كل حس بالكرامة والكبرياء” ص 122

“وأهلنا ذاكرتهم قصيرة وشغفهم بالقضايا عابر لذا سرعان ما تناسوا المقبرة الجماعية والجماجم، وفضوا اهتمامهم بها، وولوه نحور مؤخرة المؤذن، وبقيت أنا وحفنة من الناس ننتظر اللجنة الموقرة، غير آبهين بتلك الخدمة الجليلة التي صار فقهاؤنا بنزواتهم وفحولتهم يدموها من حين إلى حين، لرأي عام متعطش للفضائح ومشدود لما تحت السرة، ولسلطة تربح الوقت وهي خائفة من أن يلتفت الناس لما ينفعهم..” ص 142

” ألم تر كيف صار مفكرون يبررون ما لا يبرر، ويجعلون للعبث السطحية والارتجال عمقا ويتبارون في تأويله؟ هذا الوطن صنع العجز والخوف بالإضافة إلى الدين وسنوات الجفاف.” ص:352

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا