الصفحة الرئيسية قضايا أمميةاليسار العالمي في راهنية ثورة أكتوبر البلشفية

في راهنية ثورة أكتوبر البلشفية

كتبه user B

معاد الجحري

لا يتعلق الموضوع بتقييم التجربة ولا بتاريخ الثورة بل براهنيتها، أي حسب ما فهمت من العنوان المقترح علي، أهمية هذه الثورة بالنسبة لقضايا عصرنا، طبعا في علاقة بمنجزاتها وإخفاقاتها والتطورات الهائلة التي عرفها العالم منذ ذلك الوقت.

1- الثورة البلشفية، هي من عيار الثورات الكبرى، لأنها غيرت مجرى تاريخ البشرية على كافة الأصعدة
وهي أعلى طورا من الثورة الفرنسية من حيث الطبقات الاجتماعية القائدة للثورة (التحالف العمالي-الفلاحي) والمشروع المجتمعي الذي عملت على إرسائه (الاشتراكية) وإشعاعها السياسي والإيديولوجي ودورها وتأثيرها العالمي (الثورة الصينية وثورات أخرى في كوبا وفيتنام وفي أوروبا الشرقية وحركات التحرر الوطني في البلدان المستعمرة والتابعة). ورغم ما جرى من تراجعات وانتكاسات فان هذه الثورة نجحت في تغيير وجه الحضارة الإنسانية بشكل لا رجعة فيه فضلا عن الانتقال بروسيا من الوضع المتخلف التي كانت عليه إلى قوة اقتصادية وعسكرية يحسب لها ألف حساب.

2- فراهنية الثورة البلشفية تكمن بالنسبة لنا أولا في أنها تلقي علينا اليوم بمهمة الدفاع عن مفهوم الثورة: الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية والثورة الاشتراكية. فمفهوم الثورة توارى كثيرا عقب انهيار الاتحاد السوفياتي والبلدان الشرقية ويعود الفضل في عودته إلى مسرح الأحداث بالنسبة لبلداننا للانتفاضات الشعبية التي عرفتها منطقتنا المغاربية والعربية نهاية 2010 انطلاقا من تونس.

كان اليسار الماركسي وقلة من الأحزاب الشيوعية التي ارتبطت بالتجربة السوفياتية بهذه المنطقة قد صححت المسار وانخرطت في قيادة السيرورات الثورية في بلدانها بغض النظر عن إمكانياتها فان قول الحقيقة يقتضي الجهر بأنها لازالت متخلفة عن ركب الصراع الإيديولوجي وخاصة فيما يتعلق بالدفاع عن مشروعها الاشتراكي وتوضيحه وتدقيقه ما أمكن. هذه معركة لم تعد تقبل التأجيل خاصة مع التعفن الذي أصاب النظام الرأسمالي العالمي، الأمر الذي عرته جائحة كورونا، ومستوى الاستقطاب الذي وصل إليه والتفاوت الاجتماعي وتمركز الثروة في يد عدد قليل من الشركات العملاقة والمخاطر الحقيقية التي تحدق بالطبيعة ولكن أيضا بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي والإنتاجية ما يسمح من الناحية الموضوعية ببناء الاشتراكية كحضارة جديدة، جديدة بالفعل من حيث طرق الإنتاج والاستهلاك والعيش. يجب توضيح أن الثورات هي التي تعطي معنى للتاريخ الذي يتخذ وجهة تصاعدية من التشكيلات الاجتماعية الأدنى إلى التشكيلات الأعلى وسيمكننا هذا من مواجهة نزوعات اللاجدوى والتفاهة ونبذ التنظيم وعلى إعادة بناء يوتوبيا ثورية وسط أوسع طلائع النضال والفئات المناضلة. كل الطبقات الاجتماعية تقبل مفهوم الثورة في مجالات العلوم والطب والتكنولوجيا ولكن الطبقات السائدة والأوساط المحافظة تشمئز لمجرد سماع الحديث عن الثورة في المجال السياسي.

علينا الدفاع عن منظورنا للاشتراكية دون انتظار تحقيق انجاز مهام التحرر الوطني والديمقراطية وتوضيح أسسه ومعالمه الكبرى وتبيان أن كل ما هو جميل على الأرض هو من صنع العمال/المبدعين وبالتالي توفير الشغل للجميع بدون استثناء وبعدد ساعات أقل بكثير من جهنم التي تعيشها الطبقة العاملة وعموم الشغيلة في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي وفي شروط مريحة وتوضيح مسألة الأجور والعلاقة بالآلات وغيرها لا يتسع المجال للتفصيل فيها في هذا الحيز. وعلينا عرض رؤيتنا لمرحلة الانتقال نحو الاشتراكية على طريق الشيوعية وهو من وجهة نظري انتقال سيكون طويلا ينبغي إدارته بمنطق تعددية سياسية وفكرية للقوى الوطنية الشعبية وبالقضاء التدريجي على النزوعات ذات الطابع الرأسمالي ليس فقط كترسبات الماضي السحيق بل أيضا تلك التي تبرز في ظل الانتقال عبر عمليات التطور الاقتصادي. علينا توضيح الأهمية القصوى للثقافة والتثقيف والقيم الشيوعية في مرحلة الانتقال الطويل نحو الاشتراكية وأن الإدارة يجب أن تكون للمجتمع عبر تنظيماته الذاتية المستقلة التي ستزدهر بشكل غير مسبوق نتيجة تحرير قوة العمل ومناخ الحرية والإبداع وكل هذا يساعد على فرض رقابة متقدمة على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.

3- وطبعا لا يكفي فقط الدفاع عن الثورة بل العمل من أجلها و بناء أدواتها الأساسية (الحزب المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين وجبهة الطبقات الشعبية والتنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير وعلى رأسها النقابة). بل يجب الاجتهاد للتوفر على نظرية للثورة. وهذه الأخيرة يبلورها الحزب بمجهود جماعي من خلال النشاط الثوري للجماهير ودراسة التشكيلة الاجتماعية واستيعاب دروس ثورات الشعوب وتحليل واقع النظام الرأسمالي العالمي وتناقضاته.

لقد انتبه لينين والبلاشفة إلى التحول الجوهري الذي طرأ على الرأسمالية بانتقالها إلى مرحلة الإمبريالية ومن ثم نهاية النفس الثوري للبرجوازية ودورها في النضال من أجل الديمقراطية وطرح مفهوم الثورة المتواصلة على مراحل أي ضرورة قيادة النضال من أجل الثورة الديمقراطية من طرف الطبقة العاملة كمرحلة ضرورية للثورة الاشتراكية وأن التحالف العمالي-الفلاحي ضروري لتحقيق هذه الأهداف.

إن هذه الأطروحة ازدادت صحة وسدادة. فالطابع الامبريالي للرأسمالية تعمق في ظل سيطرة الرأسمال المالي المعولم الذي تفشى طابعه المضارباتي كما تكرست معالم عالم متعدد القطبية بعد فترة قصيرة من انفراد الامبريالية الأمريكية بقيادة العالم وتعيش الديمقراطية البرجوازية أسوأ أيامها وانهارت معها الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية.

تشكل البلدان التابعة منطقة العواصف ومنها على الأرجح ستنطلق ثورات قد تكون ثورات عظيمة إذا تمت في بلدان شبه قارية مثل الهند والبرازيل. وقد تدخل بلدان من الاتحاد الأوروبي منطق الثورات من أجل الاشتراكية لكونها أصبحت تحتل موقعا طرفيا بالنسبة للاتحاد وهي حالة اسبانيا والبرتغال والى حد ما ايطاليا ناهيك عن اليونان. كما أن الأمور غير محسومة في روسيا وخاصة في الصين وفيتنام وأن خيار استعادة المبادرة من جديد في اتجاه بناء الاشتراكية انطلاقا من التراكم الحاصل ومن انجازات هذه التجارب وإخفاقاتها أمر وارد. لكن ليس الأمر كذلك في البلدان الرأسمالية المسيطرة على المدى المنظور نظرا لوضع الطبقة العاملة المريح نسبيا (الأرستقراطية العمالية) وهو ما يعكس نفسه في الانحباس لمعظم التجارب الجذرية في العقود الأخيرة التي حاولت تجاوز في الآن نفسه أحزاب الديمقراطية-الاجتماعية والأوروشيوعية معا في هذه البلدان.

4- الثورة ليست نزهة أو عشاء فاخرا والحديث عنها لا معنى له دون أدواتها وعلى رأسها الحزب المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين. إن هذه المسألة لم تستبطن بعد في معظم البلدان رغم دروس التاريخ وآخرها نتائج السيرورات الثورية بمنطقتنا التي جاءت دون دور الطبقة العاملة الحاسم في إسقاط رؤوس النظام في البلدان المعنية.
ورغم أن شكل الحزب مسألة تكتيكية فان هناك قضايا جوهرية ضرورية وذات راهنية لكل من يطمح لبناء حزب قادر على تحقيق الأهداف الثورية الإستراتيجية المشار إليها أعلاه وهي:

– الارتكاز إلى البناء الخلوي بحيث كل عضو.ة يجب أن ينتمي لخلية معينة ويؤدي واجباته المالية وهذا شرط توسيع الحزب على أسس متينة وارتباطه بالجماهير وقضاياها والتصدي لمحاولات اختراقه من طرف المخبرين وتكوين الأعضاء وتدريبهم على المحاسبة والنقد والنقد الذاتي…

– الارتكاز إلى المركزية-الديمقراطية كمبدأ عام منه تشتق المبادئ التنظيمية الأخرى.

– أن يكون تنظيما مسكونا بالثورة ويخطط لها وللوصول إلى السلطة ويحدد التكتيكات اللازمة للتقدم نحو الأهداف الإستراتيجية وهذا أحد أهم ابداعات التجربة البلشفية. وليست هذه صفة يجب أن تنفرد بها قيادة الحزب وحدها بل يعني أن كل عضو.ة في الحزب سواء كان مناضلا في النقابة أو في الحي أو في منظمة لحقوق الإنسان أو جمعية ثقافية يجب أن يكون مهووسا بهذا الهدف. غير ذلك تضيع البوصلة ويتم السقوط في الاقتصادوية والنشاطوية (=الحركية المفرطة)…

ولا بد ونحن نفكر بصوت عالي في مستقبل الثورة في بلداننا ارتباطا بالثورة البلشفية أن نطرح تساؤلات حول أربع قضايا مفصلية وهي:

– أساليب أو وسائل التغيير الثوري.

– قضية الإمكانيات المالية الضرورية: كيف يمكن تنويع مصادر المالية في ظل تواضع موارد الانخراطات؟

– إشكالية العمل النقابي الذي أصبح عمليا ممنوعا في القطاع الخاص وفي ظل التحولات التي حصلت على تركيبة وواقع الطبقة العاملة.

– الشكل التنظيمي لقيادة الثورة ومجالسها الشعبية على الصعيد المحلي.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا