الصفحة الرئيسية • وجهة نظرقضايا نظرية ثلاثية القمع الفكري في بلاد الحكرة – سيدي سباعي

ثلاثية القمع الفكري في بلاد الحكرة – سيدي سباعي

كتبه saad mertah

سيدي سباعي

  يرتبط مفهوم القمع لدى الكثيرين بتلك السلوكات والممارسات الوحشية التي ترتكبها الأجهزة القمعية بشكل مباشر في حق مجمل فئات الشعب خاصة منها تلك الرافضة للسياسات المخزنية الممارسة من قبل هذا النظام الرجعي التابع للإمبريالية.

  عند الخوض في مسألة القمع على مستوى النقاشات العامة يتم التركيز فقط على جوانبه المباشرة من قبيل التعذيب الجسدي والنفسي أو ما تعلق بالاختطافات والإعتقالات التي تعقبها المحاكمات الصورية المعهودة في حق أبناء وبنات الشعب المغربي، والحقيقة أنه توجد أشكال أخرى للقمع يمارسها المخزن علينا على مستوى كافة تفاصيل الحياة اليومية المندرجة في سياق مشروع رأسمالي اقتصادي وسياسي و اجتماعي تنفذه الإمبريالية عبر أدواتها العميلة ممن يحكمون هذا البلد، ويستند هذا المشروع على الجهل والتخلف والاستلاب وترتكز فيه على ثلاث أساليب مختلفة للقمع الفكري تسلط علينا، تهم منظومات وقطاعات هامة دون أن يتفطن المواطن البسيط لها بفعل انشغاله بمعارك تحصيل لمعاشه وقوته اليومي.

التعليم:

  يعد التعليم واحدا من أهم مرتكزات القمع الفكري في المغرب باعتباره الدعامة الأساسية في عملية بناء وتشكيل الرأسمالية التبعية لعقول الأجيال القادمة، وهو ما نراه مجسدا في برامج ومناهج تعليمية تقوم على اعتماد أسلوب التلقين وفقط، هنا يتم عن قصد تغييب النقاش الذي يلعب دورا أساسيا في تطوير القدرة المعرفية والفكرية لدى الطفل وامتلاكه القدرة على التحليل العلمي لكل ما يتلقاه سواء في المدرسة أو خارجها.

  بذلك يصبح التعليم بالنسبة للنظام الرجعي أداة للخنوع والرضوخ عوض أن يصبح مكانا للعلم والمعرفة اللذان بهما يتطور أي مجتمع، بل أكثر من ذلك حول هذا النظام المؤسسات التعليمية إلى مصنع رئيسي للقوالب الفارغة والمدجنة التي نصادفها اليوم، ويتساءل جزء كبير منا عن عدم اكتراثها بالشأن العام واكتفائها بالسلبية في خضم هذا الصراع الطبقي الذي نعيشه، وتختار بذلك الطاعة والولاء للحاكم وحاشيته، بسبب الخوف الذي تربت عليه منذ الطفولة استنادا إلى الاستخدام الخاطئ لمقولة أن ” التعليم في الصغر كالنقش على الحجر”.

  هكذا تكون املاءات المؤسسات الرأسمالية الإمبريالية قد نجحت في تمرير سياسياتها الليبرالية عن طريق منظومة تعتمد الرداءة التعليمية، واملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين طريقا لضرب جودة ومجانية التعليم العمومي خدمة للمصالح الإمبريالية، ومن كوارث تعليم كهذا الذي يقدم لأولاد الشعب اليوم ترسيخ قيم ومبادئ الليبرالية التي تفشت في مجتمعنا بشكل أصبح فيه يميل كثيرا إلى الفردانية والأنانية، ولا يهمه القضاء على استغلال الانسان للانسان، بقدر ما يهمه الربح الشخصي و الدفاع عن مصالحه الفردية بعيدا عن مصلحة المجموعة.

الدين:

  التعليم وحده لا يكفي النظام للسيطرة والهيمنة على الشعب و سلبه لإرادته فهناك مرتكز اخر يرتبط بطبيعة المجتمع، ولأن المجتمع في المغرب يعد مجتمعا محافظا وللخطاب الديني حيز كبير فيه، يتم استعمال الدين لاضفاء الشرعية الدينية على سلطة الحاكم، و يكون الدين هنا بمثابة السترة الواقية لنظام المخزن و الغطاء الذي يسمح بتمرير كافة سياسات الدولة المخزنية، وكذا تبرير كافة ممارساتها القمعية في حق الشعب المغربي، خاصة الطبقة العاملة وعموم الكادحين والكادحات الرافضين لسياسات النظام الرجعي العميل والطامحة للحرية والعيش الكريم في هذا الوطن.

  بعد أن تقوم المدرسة بتلقين التلاميذ والطلاب دروس الطاعة والولاء، يأتي دور رجالات الدين عبر انتاج خطاب له قالب ديني يستغل قدسية الدين لدى المجتمع، ويعمل على توفير النصوص الدينية الكفيلة بتبرير طاعة و خنوع المواطن لسلطة الحاكم باعتبارها تستمد شرعيتها من الدين الإسلامي “كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته”و”البيعة” وغيرها من مصطلحات ذات الارتباط بجهاز مفاهيمي ضروري لتكريس شرعية سلطة الحاكم الدينية كونه ينتمي ل (ال البيت) ومن الواجب شرعا مبايعته، وبالتالي يتحول الشعب إلى مجرد رعايا عوض مواطنين.

  هنا تبرز العلاقة بين السلطة والدين فهي قائمة على الحماية الدينية للحاكم ولذلك نجد أن المخزن ومن يدور في فلكه من رجالات الدين يخشون كثيرا الأصوات الديمقراطية والتقدمية التي ترفع شعار علمانية الدولة، لأن هذا المطلب يعتبر تهديدا صريحا ومباشرا لأهم أعمدة القمع الفكري لدى النظام الملكي الرجعي في المغرب ممثلة في الدين.

الإعلام:

  من أجل أن تكتمل ثلاثية القمع الفكري في بلاد الحكرة، ومن أجل الدقة في تحقيق الأهداف المتوخاة وفقا للأجندة المعدة من قبل الرأسمالية العالمية، وأيضا من أجل تلميع صورة الأداة التنفيدية لكل مخرجات تلك الأجندة ممثلة في نظام رجعي وعميل، وبشكل سلس يضمن لها التغلغل في مختلف الفئات الهشة من الشعب.

  قد يظن البعض أن مشاهد الرداءة و الركاكة الطاغية على المنتوج الإعلامي المقدم للمواطنين تعبيرا عن غباء القائمين على المؤسسات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، ولكن الحقيقة تثبت أنها مشاهد وبرامج ممنهجة تندرج في سياق تنويع أدوات القمع الفكري الذي تنهجه الإمبريالية ضمن حربها الإيدولوجية الموجه ضد شعوب العالم.

  لا يقف دور الإعلام عند الإنخراط في مخطط التدجين فقط بل يعتبر مثل الدين من حيث إسهامه في حماية النظام المخزني العميل وسياساته، والتي يقدمها الإعلام على أنها إنجازات عظيمة عبر التغطية الروتينية والمستمرة للأنشطة الحكومية، دور الإعلام ليس فقط الدعاية للمخزن، ولكن يتجاوز هذه المهمة حين يصبح سلاحا موجها ضد المناضلين ورموز النضال في المغرب، فضلا عن استخدامه كوسيلة لتشويه كل من قال لا في وجه سياسات المخزن أو طالب بالحرية والكرامة في بلاد الحكرة والأمثلة على ذلك كثيرة ممن طالتهم مواقع واستوديوهات التشويه والتخوين بسبب أدوارهم المهمة في فضح سياسات المخزن وجرائمه المرتكبة في حق أولاد الشعب.

  إن تلك الأدوات والأبواق الدعائية المسماة جورا وسائل إعلام، لا تعدو كونها حلقة من الحلقات داخل منظومة القمع الفكري المسلطة على هذا الشعب المقهور والطامح اليوم إلى الانتفاض ضد واقع الحكرة والتهميش المفروض عليه، وضد الكومبرادورية وكمشة الانتهازية التي تحكمه وتسلبه ثرواته وإرادته.

  بتوضيح جزء من تلك الأدوات يتبادر إلى الأذهان سؤال جوهري حول كيف يمكن مواجهة أدوات القمع الفكري الخفية، والتي تعتبر أشد خطورة من كل أنواع القمع المباشر؟

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا