تطبيق الأحكام العسكرية العرفية في المدن الكبرى حول الولايات المتحدة مع حظر تجول هذا ما جادت به عبقرية الإدارة الأمريكية في وجه الحشود المنتفضة المطالبة بالعدالة و المساواة.
وأنا أشاهد الاحتجاجات الشعبية الواسعة في شوارع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب مقتل الشاب جورج فلويد، 46 عاماً، مواطن أمريكي من أصول إفريقية، لفظ أنفاسه الأخيرة في ولاية مينيسوتا يوم الاثنين الماضي بعد أن وضع ضابط شرطة ركبته على عنقه لأكثر من ثماني دقائق. وتم تداول شريط فيديو يوثق للجريمة على مدار واسع، وتُذكّر هذه القضية بموت إيريك غارنر، الرجل الأسود الذي توفي اختناقا خلال توقيفه في نيويورك في 2014 على أيدي شرطيين بيض.
استحضرتني مقولة لدزمند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام سنة 1984 “حين جاء المبشرون إلى افريقيا ، كانوا يحملون الإنجيل وكنا نملك الارض ، وقالوا “لنصلي معا” ، فأغمضنا أعيننا للصلاة ،وحين فتحناها ، وجدناهم قد تركوا لنا الإنجيل ولكنهم أخذوا الأرض”.
أما من كان يتجرأ ضد هذه السياسة كانت المقصلة في انتظاره مع نعته بالفوضوي والخائن المندس، فما أشبه اليوم بالأمس، الطريقة التي تتعامل بها الإدارة الامريكية مع هذا الحادث الغير معزول يعيد نقاش احترام حقوق الانسان من طرف الإدارة الأمريكية، هذه الأخيرة التي ما فتئت تتهم كل الدول المعادية لسياستها بالدكتاتوريات المعادية للإنسانية مع فرض عقوبات اقتصادية عليها مثال الصين و إيران.
رغم أن حقوق الانسان لم تكن من أولويات الإدارات الامريكية المتعاقبة وأنها كانت مرتبطة دائما بالمصلحة الامريكية، إلا أني لا أعتقد أنه في التاريخ الحديث لم يسبق أن حدثت استهانة صريحة من قبل رئيس أمريكي وإدارته بالمعاهدات الدولية وبحجم الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها أشخاص وأحزاب ومنظمات أمريكية وما تصنيف حركة معاداة الفاشية “أنتيفا” هذه الحركة اليسارية التي تهدف لمحاربة الفاشية كمنظمة إرهابية، إلا دليل آخر عن الطبيعة السلطوية للإدارة الامريكية.