يعرف قطاع التعليم العالي العمومي بالمغرب تسارع وثيرة الهجوم عليه من أجل خوصصة ما تبقى من مجانيته ورهنه أكثر بيد الرأسمال تدبيرا وتسييرا تنفيذا لالتزامات النظام مع الدوائر الامبريالية المالية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، منظمة التجارة العالمية..) آخرها مشروع قانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الرامي حسب المادة 45 منه إلى فرض رسوم التسجيل على الطلبة والطالبات مما سيؤدى حتما إلى تعميق وضعية الطالب(ة) المأزومة أصلا.
إن هذا الهجوم هو متواصل كما أنه من المتوقع أن تزيد حدته أكثر وأكثر نظرا لواقع الحركة الطلابية العاجزة عن الدفاع عن المكتسبات المادية والمعنوية للجماهير الطلابية مما يسهل على النظام الاستعداد للإجهاز التام على التعليم العمومي.
فغياب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كإطار مهيكل منظم لأكثر من أربعة عقود أدى إلى تعميق أزمة الحركة الطلابية وجعل الساحة الجامعية مجالا للفصائلية والحلقية الضيقة، وبروز ممارسات فوضوية تخريبية لا تمت بصلة للجسم الطلابي يشكل العنف وفرض البيروقراطية الفصائلية أهم أشكالها. وبالنظر إلى واقع الفصائل الطلابية بمختلف أشكالها، يتضح تراجع وضعف جميع فصائل التوجه الديمقراطي اليسارية الشيء الذي أدى إلى عدم قدرتها على التقدم في استرجاع النقابة الطلابية أ.و.ط.م مما يفرض اليوم ضرورة توجيه نقد لممارسات هاته الفصائل لأن أوراقها وتصوراتها نوعا ما متقدمة لكن ممارساتها داخل الساحة الجامعية مختلف تماما عن تصوراتها فلحد الآن لا زالت تشتغل بأشكال وآليات تقليدية موروثة أصلا من الأزمة (الكيفية التي تتم بها استقبال الطالب، الكيفية التي تنظم بها الأيام الثقافية، الحلقية كشكل رئيسي للتقرير في المعارك..) هاته الأشكال يتضح أنها في الواقع تؤخر أكثر مما تقدم في مهمة استرجاع النقابة الطلابية، كما يلاحظ أيضا استمرار التوجه الطلابي البيروقراطي في التضييق على المبادرات الوحدوية، وفي ممارسة العنف الطلابي في عدد من المواقع الجامعية، وتراجعه على مستوى الخارطة الجامعية. في حين لا زالت العدل والإحسان تشتغل في إطار هياكل فوقية صورية تدعي أنها هي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتعتبر تيارت البرنامج المرحلي هو العدو الأول للطلبة، كما يلاحظ أيضا تزايد حجم الحركة الثقافية الأمازيغية إلا أن هذا الحجم لا تترجمه الحركة في فعل نقابي طلابي بل تستغله في تصفية حسابات سياسوية ضيقة مع تيارت البرنامج المرحلي بالإضافة إلى تورطها في العنف في أغلب المواقع الجامعية التي تتواجد فيها.
وما يجب التأكيد عليه في تحليلنا لواقع الحركة الطلابية هو أنها لا تقتصر فقط على الفصائل التي تعتبر نفسها مكونا في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سواء تلك المحسوبة على التوجه الديمقراطي أو البيروقراطي وأن فعلها لا ينحصر فقط في الأحياء الجامعية والكليات الثلاث – القانون والأداب والعلوم. فهناك معارك طلابية مهمة يجسدها الطلاب في معاهد التعليم العالي وفي كليات الطب والصيدلة فرض عليهم غياب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كإطار نقابي طلابي منظم إلى الانتظام في جمعيات أو تنسيقيات منظمة في أجهزة محليا ووطنيا ومستقلة، ولعل التحرك البطولي الأخير للتنسيقية الوطنية للطلبة الأطباء الرامي إلى الدفاع عن التعليم والتكوين العمومي خير دليل على الطاقات النضالية الهائلة التي تزخر بها هاته الفئات.
ورغم هذا الواقع الطلابي الذي يمكن اعتباره بالمأساوي فإن عناصر نهوض حركة نضالية طلابية عارمة كامنة في هذا الواقع بحد ذاته، فطالما المجتمع منقسم إلى طبقات إحداها سائدة وأخرى مسحوقة وإلا ستوجد مقاومة وصراع وحركة في كافة حقول هذا المجتمع، ولا طالما اعتبرت الحركة الطلابية عامل مهم في الصراع وهذا ما يتجسد في النضالات رغم أنها فئوية ومنعزلة ولا تقدم شيء ملموس ما يطرح على التنظيمات الهادفة إلى التغيير إلى التقاطها ودمجها في خطة شاملة ومحكمة.
ومع المخطط النيوليبرالي الجديد للنظام في مجال التعليم فإن اللحظة تسمح بإحداث فرز جديد في الحركة الطلابية، هذا الفرز الذي يجب أن يكون سياسي أكثر مما هو إيديولوجي أساسه من مع قانون الإطار 51.17 ومن ضده، الشيء الذي سيسمح بلف جميع الطلاب المعارضين لقانون الإطار 51.17 وتوحيدهم على أرضية معركة وطنية عبر التعبئة للمعركة من خلال فتح نقاشات تحتية وإصدار بيانات وملصقات ومنشورات للتعريف بقانون الإطار ومخاطره المهددة لتواجد الطلبة المنتمين إلى الطبقات الشعبية بالجامعة المغربية والتوعية بالحقوق المادية والمعنية التي من المفروض ان يتوفر عليها كل شخص حامل لبطاقة الطالب(ة)، هاته المعركة التي يمكن أن تؤدي إلى بلورة الأسس السياسية والتنظيمية الكفيلة بتجميع كل المعارضين للعدو المخزني في الحقل الطلابي.
وما يجب الانطلاق منه في هذا الصدد هو مبدأين أساسين أولها التشبث بنقابة واحدة هي الاتحاد الوطنية لطلبة المغرب والعمل بسرعة على إرجاعها بهياكلها المحلية والوطنية عبر عقد المؤتمر الاستثنائي ورفض كل ما قد يؤدي إلى التعدد النقابي لأن التاريخ النقابي عامة في المغرب يوضح أنه كلما كان هناك تعدد وتشتت كلما وجد المخزن مجال أكثر للمناورة والاختراق وزرع التناقضات، والمبدأ الثاني اعتبار أوطم نقابة لكل الجماهير الطلابية وهياكلها التي يجب إعادتها قادرة على استيعاب كل الحساسيات والتيارات المناضلة على اعتبار أنها نقابة جماهيرية تنحصر مهمتها أساسا في الدفاع عن الطلبة وربط نضال الطلاب بالنضال الشعبي العام مع وضع مصلحة الجماهير الطلابية والحركة فوق أي اعتبار.
كما إن مهمة بناء النقابة الطلابية ينطلق بالأساس من الإجابة على شكل النقابة المراد إعادة بناءها، فالتحولات العميقة التي عرفتها الجامعة والحركة الطلابية وبالأخذ بعين الاعتبار أن هناك مؤسسات مهيكلة في جمعيات وتنسيقيات وطنية لها قيادات منتخبة على الصعيد محلي والوطني مما يفرض إبداع شكل جديد قادر على استيعابها، كل هذا يؤدي إلى التفكير في بناء أوطم كمركزية طلابية ينضوي تحت لوائها جمعيات ونقابات وتنسيقيات طلابية مهيكلة فآخر الإحصائيات تشير إلى أن هناك 937 طلب(ة) وإذا أردنا فعلا تمثيل أكبر قدر ممكن من هؤلاء الطلبة والطالبات فلابد من إبداع شكل جديد قادر على احتواءهم.