نشر هذا المقال بجريدة النهج الديمقراطي عدد 238 -أبريل 2017
موقع الشبيبة
يونس سالمي
الحركة التلاميذية بالمغرب :
بين مطرقة النهوض النضالي وسندان غياب التنظيم
لا يمكن الحديث اليوم عن نضال الشبيبة التعليمية سواء نضالات الحركة الطلابية أو حركة المعطلين أو تنسيقيات الطلبة الاطباء أوالاساتذة المتدربين … دون الحديث عن حركة شبيبة كفاحية لها تاريخ نضالي مشرف إنها الحركة التلاميذية المغربية .
الغرض من هذا المقال ليس التأريخ – بالرغم من أهميته وضرورته – لنضالات الحركة التلاميذية منذ الاستقلال الشكلي الى اليوم ، بل الهدف هو الوقوف عند امكانيات النهوض بهذه الحركة الشبيبة المكافحة. إن أكبر نقاط الضعف التي لازمت نضالات الشبيبية عامة و الطلبة والتلاميذ خاصة ، هي غياب تنظيم نقابي يوحد تلك النضالات ويعطيها بعدا اكثرديمقراطية وجماهرية ، وينتزعها من براثن " الموقعاتية " التي عاشتها لعقود .
إن المتتبع للدينامية النضالية التي تعيشها الحركة التلاميذية راهنيا، سيلاحظ تغيرا في المواقع النضالية لهذه الحركة، فالقلاع التاريخية للتلاميذ انتقلت من الحواضرالكبرى كالدار البيضاء والرباط و القنيطرة ومراكش وأكادير… الى "الداخل" المغربي في طاطا والحسيمة وزاكورة وقلعة السراغنة وبوزكارن وتغجيجت وتالسينت… وهي مناطق تعرف اشد أنواع التهميش والقهروالقمع، لكن ظلت محافظة على التقاليد النضالية بالثانويات بالرغم من الهجوم المنظم للمخزن وحرصه الشديد على بقاء هذه المعارك في حدود الثانوية دون أن تتخد شكلا تنسيقيا على مستوى المحلي أو الوطني أو تنغرس بالاحياء الشعبية . إضافة الى غرس الافكار الفردانية والميوعة داخل المناهج التربوية، ما أنتج لنا جيلا مركعا ومخدرا . لكن لفهم هذا التحول وجب قبل ذلك الوقوف ولو بايجاز عند أبرز المراحل التاريخية لنضالات الحركة التلاميدية سنحاول من خلاله استخلاص العبروالدروس من حركية الجماهير وتفادي تكرارأخطاء الماضي .
فيمكننا أن نميز في تاريخ الحركة التلاميذية بين 4 مراحل أساسية :
المرحلة الاولى ( 1956-1972) : تميزت الحركة خلال هذه المرحلة بجماهرية الفعل النضالي ، فبعد الهبة النضالية التي شكل الهجوم الطبقي لدولة المعمرين الجدد على القوت اليومي للجماهير الشعبية أساسها المادي ، سيعمد النظام القائم بداية الستينات الى اصدار قرارين مشؤومين تمثلا في منع وداديات التلاميذ (التي كانت مرتبطة بـ UNEM ) عبر القرار الصادر في 21 يونيو1964 من طرف وزير الداخلية، تلاها بتسعة أشهر، قرار منع التلاميذ الذين وصلوا سن 16 سنة من التكرار في " البروفي " (الثالثة ثانوي اعدادي حاليا ) ، هذا الهجوم الذي سيطلق حركة تلاميذية واسعة أشعلت أولى المواجهات بين الجماهير الشعبية والنظام القائم حول التعليم في انتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة .
إن ميزة هذه المرحلة هي الطابع الجماهيري – الشعبي الواسع للحركة التلاميذية وربط نضالها بالنضال الجماهري العام .
المرحلة الثانية 1972 – 1976 : تميزت هذه المرحلة بتنامي حركية الجماهير عامة ( عمال، فلاحين… ) وبروز الحركة الماركسية اللينينية التي أدركت منذ نشأتها أهمية العمل وسط حركة التلاميذ ودورها في الصراع الطبقي وقد استطاعت بالفعل قيادة نضالات حركة التلاميذ من أجل الحق النقابي ضد السياسات التصفوية للنظام القائم في حقل التعليم ، توجت هذه النضالات بتأسيس " النقابة الوطنية للتلاميذ " في أبريل 1972 التي كانت تعتبر منظمة شبه جماهيرية مرتبطة بمنظمتي " الى الامام " و " 23 مارس " الثوريتين ، وبالفعل فقد شكلت هذه المرحلة أوج الفعل النضالي التقدمي لحركة التلاميذ ، إضافة الى طرح المسألة التنظيمية وسط التلاميذ عبر خلق قيادة وطنية لـ (نوت) وأجهزة محلية تمثلت في لجان القسم ولجنة الثانوية ولجنة التنسيق على مستوى المدينة والتعاضديات المحلية … اضافة الى اصدار العديد من النشرات الدعائية ( المناضل ، الشعلة …) إن هذه الدينامية النضالية دفعت بالنظام الى صب جام غضبه على الشبيبة التعليمية وفي مقدمتها الحركة الطلابية و التلاميذية عبر حضر أ و ط م قانونيا وحل النقابة الوطنية للتلاميذ سنة 1976 .
إن اهم مميزات الفعل التلاميذي خلال هذه المرحلة:التجذر وسط الجماهير الشعبية بمضمون تقدمي كفاحي لكن دون أن يأخذ العمل النقابي الاصيل معنى ديمقراطي أو جماهيري داخل ( نوت).
المرحلة الثالثة ( 1979-1990) : تميزت هذه المرحلة بعودة الحركة التلاميذية الى " اللاتنظيم " رغم انتظامها في العديد من الثانويات داخل الاندية الثقافية والفنية، وهي ميزة اقتسمتها مناصفة مع الحركة الطلابية التي ألمت بها أزمة تنظيمية عميقة بعد فشل أ و ط م في عقد مؤتمرها 17، إلا ان الحركة ظلت تعرف مدا نضاليا كانت ابرز محطاته إنتفاضة 1981 و1984 و1990 تعرض خلالها التلاميذ- ات لحملات قمع قل نظيرها ، إن ما ميز هذه المرحلة هي عودة البعد الجماهيري – الكفاحي لحركة التلاميذ لكن مع استمرار غياب التنظيم .
المرحلة الرابعة ( 1990 الى الان ) : لقد دخلت الحركة التلاميذية خلال هذه الفترة في حالة انكماش نضالي مع مقاومة مشتتة وضعيفة هنا وهناك ، إن هذا الانكماش النضالي لقسم واسع من الشبيبة التعليمية جعلها تخلف موعدها مع التاريخ خلال حركة 20 فبراير، رغم أنها اطلقت نداءا يوم الثلاثاء27 دجنبر 2011 معبئا لحركة 20 فبرايرالمجيدة ( تلاميذ 20 فبراير الذين رفعوا شعارات ضد السياسة التعليمية الطبقية ومناهضة منظومة " مسار "…).
هذه الاطلالة السريعة للتاريخ النضالي للحركة التلاميذية يبرزا لنا ما للتنظيم من أهمية بالغة ، فكل حركة جماهيرية مهما علا كعبها، ومهما قدمت من تضحيات إن هي افتقدت للتنظيم، الضامن الاساسي لمراكمة التجربة واستمرار المردودية والعطاء ،ستظل تتخبط بين جدران العفوية.
إن النهوض التلاميذي الجنيني اليوم والذي أشعلته نضالات حركة 20 فبراير، وانخراطه في جل الحراك الشعبي الحالي وخاصة بالريف الابي ، لازال يعاني من نفس نقاط الضعف التي لازمته لعقود ، وهي غياب تنظيم ذاتي مستقل للتلاميذ، هذا التنظيم الذي قد يتخد أشكالا مختلفة للتنسيق سواء بتوحيد المعارك مع الحركة الطلابية ضد المخططات الجهنمية التي يسعى النظام الى انزالها في حقل التعليم ( القرار الاخيرللمجلس الاعلى للتعليم الهادف الى ضرب المجانية في الثانوي والجامعي) عبر تأسيس اللجان الثقافية والاندية الحقوقية والتنسيق بين الثانويات في أفق التنسيق المحلي وصياغة برنامج وطني يشمل المطالب النقابية و السياسية للتلاميذ – ت.
إن هذا العمل سيكون ثمرة مجهود جبار تنخرط فيه كل الاطارالديمقراطية و التقدمية من نقابات تعليمية ومناضلي الحركة الطلابية وأطرالجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين وجمعيات ثقافية تقدمية من أجل النهوض بمنبع مناضليها وتنظيمه في أفق إحياء النقابة الوطنية للتلاميذ أو إبداع أشكال تنظيمية وطنية جديدة قد تتخد شكل الوداديات سابقا أو جمعية وطنية للتلاميذ .