الرئيسية » اغتيال سليماني .. ملامح حرب قادمة تستهدف شعوبنا

اغتيال سليماني .. ملامح حرب قادمة تستهدف شعوبنا

كتبه user B

قاسم مصطفى

اهتز العالم، صبيحة يوم الجمعة 03 يناير 2020، على خبر اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية للجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي المنضوي تحت لواء الجيش النظامي العراقي، لتتوالى المواقف الدولية المتنوعة بين مؤيد ومعارض ومندد ومتوعد بالرد، فيما غاص المحللون في التخمينات والتقديرات حول ردة الفعل الإيرانية.

تم تشكيل فيلق القدس، بعد حرب الخليج، من داخل الحرس الثوري الإيراني، ويتولى تنظيم النشاط الخارجي للحرس، وقيادة الفيلق التي تولاها قاسم سليماني، تعني المسؤولية عن العمليات الخارجية الإيرانية؛ وأصبح من المعروف أن نشاط فيلق القدس يمتد من دلهي إلى أفغانستان مرورا باليمن والعراق ولبنان وفلسطين وسوريا وغيرها، حسب ما تناقلته العديد من المصادر الإعلامية، وكان قاسم سليمان المهندس والعقل المدبر للعديد من الإستراتيجيات العسكرية في الحرب السورية، وفي لبنان منذ حرب تموز، وهو الذي كان مقربا من حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني وصديقا لعماد مغنية الذي تم اغتياله سنة 2008 من طرف الكيان الصهيوني، زيادة على دوره في تأسيس وتنظيم وتدريب وتوجيه قوات الحشد الشعبي العراقي والعديد من تشكيلاته وتياراته، والحرب التي تم خوضها في العراق ضد داعش، ثم دور سليماني في الحرب اليمنية وفي تدريب قوات أنصار الله ومدها بالعدة والعتاد.

ممارسة سليماني لهذه الأنشطة التي تضرب المصالح الأمريكية والصهيونية وحتى مشاريع العربية السعودية والإمارت في المنطقة، دفعت بالولايات المتحدة الأمريكية، على وجه الخصوص، إلى وضعه على قائمة المستهدفين منذ مرحلة جورج بوش، بينما لم يسبق لأي لإدارة أمريكية سابقة لترامب بأن إتخذت قرار تنفيذ عملية ضده حتى في المراحل التي كان أمام أعين أجهزتها الإستخباراتية، بل وحتى أثناء تنفيذ عملية اغتيال عماد مغنية سنة 2008 من طرف الكيان الصهيوني، كان على هذا الأخير أن ينتظر مغادرة سليماني لمكان العملية قبل تنفيذها، حسب ما أوردته مصادر إخبارية لبنانية؛ هو إذا جنرال استثنائي، ذهبت القنوات الإعلامية الغربية إلى وصفه بالرجل الثاني في النظام الإيراني بعد المرشد الأعلى، بينما تذهب أكثر التوصيفات اعتدالا إلى وصفه بوزير الخارجية الإيراني على الميدان.

اغتيال سليماني تم على أرض عراقية، وهو ما يضرب في العمق السيادة العراقية الممرغة في الأرض، وهو رد بررته الإدارة الأمريكية بأن إيران هي التي تقف وراء اقتحام السفارة العراقية في بغداد من طرف عناصر الحشد الشعبي، وفي جميع الأحوال، فإن السؤال الذي بقي مطروحا هو: هل تعادل عملية اغتيال سليماني عملا حربيا؟ دوغلاس سيليمان، السفير الأمريكي السابق في بغداد إلى حدود السنة الماضية، صرح لمجلة “نيويوركر” بأن “مقتل سليماني يوازي قتل قائد عمليات عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا”، وهو ما تشمله قاعدة مبدأ المعاملة بالمثل في القانون الدولي العام، وبالتالي فإن اغتيال سليماني في واقع الأمر عمل حربي، وهو نفس الموقف الذي عبر عنه الممثل الإيراني لدى الأمم المتحدة، بينما عبرت طهران والأطراف الحليفة لها بأن “الرد سيكون قاسيا”.

من الواضح أن الواقعة غير معزولة عن مسلسل التوتر المتزايد بالمنطقة، خصوصا بعد الإنسحاب الأحادي الجانب من طرف واشنطن من الإتفاق النووي، وفرضها عقوبات سياسية واقتصادية على طهران، من أجل إضعافها سياسيا واقتصاديا، وتصنيفها للحرس الثوري بأنه منظمة إرهابية، وما تلى ذلك من هزات لعل أهمها أزمة البواخر وناقلات النفط بمعبر هرمز ومنطقة الخليج، وتداعيات الملف السوري والإيراني واللبناني والفلسطيني واليمني على تطور مسلسل الأحداث، دون تغييب التوتر القائم بين موسكو وبيجين من جهة وواشنطن من جهة ثانية؛ هي ملامح غليان، وصب للزيت على النار، تنذر بحرب واسعة النطاق بالمنطقة.

لا ينفصل الحدث أيضا، عن الإحتجاجات الشعبية بالمنطقة ومن أبرزها النضالات البطولية للشعب العراقي ضد نظام الولاءات الطائفية، والنظام المتخلف الذي فرضه الإستعمار الأمريكي، والتدخلات الأجنبية ومن ضمنها الإيرانية في الشأن العراقي، ورفع الشعب مطالب الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، هذا الحراك الذي بعث الآمال للشعب العراقي بإمكانية التملل والتقدم نحو تحقيق السيادة الشعبية على القرار السياسي وعلى الثروات الوطنية الثمينة، المنهوبة من طرف الشركات المتعددة الإستيطان والمملوكة في غالبيتها للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وحلفائهم الإمبراليين الإستعماريين.

سيعزز هذا الحدث النعرات الطائفية وسيساهم في خلق الشروط التي تحول الأراضي العراقية إلى حمام دم للإقتتال الطائفي، وتفشي الجماعات الإرهابية وتحول هذه الأراضي إلى ساحة للصراعات الإقليمية أكثر مما هي عليه الآن، الشعب العراقي هو أكبر من سيدفع الثمن، ولا يمكن أن تقوم الفوضى في العراق دون أن تصل تأثيراتها إلى أصقاع مختلفة في العالم ومن ضمنها أوروبا والأراضي الأمريكية.
كما أن هذا العمل الحربي يعدم خيار المفاوضات، فبهذه العملية، تكون الإمبريالية الأمريكية قد قضت على أي فرصة ديبلوماسية لمعالجة الوضع، بل وسيحفز ذلك إيران إلى الرفع من نشاطها في تخصيب اليورانيوم.

ستمتد التأثيرات إلى لبنان الذي يشهد هو الآخر احتجاجات سلمية وحضارية للمطالبة بإسقاط نظام المحاصصة الطائفية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، ومعالجة الأزمة الإقتصادية الحادة التي أصابت البلاد، ومحاسبة المتورطين في جرائم الفساد، كما ستؤدي هذه العملية إلى تعزيز الوجود الطائفي في هذا البلد، نظرا لوجود فاعلين لبنانيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، ولن يسمحوا بالتنازل في هذه اللحظة بالذات عن أي قدر من السلطة بغض النظر عن التكلفة، والنموذج السوري خير دليل.

من الواضح أن مسلسل الضغط الأمريكي على إيران، لا ينفصل عن محاولة إعدام أي فرصة للنهوض الشعبي في اتجاه الديمقراطية، والإمبريالية بممارساتها هاته، تنتج الإرهاب وتعيد إنتاجه، فهي المسؤولة عن جزء أساسي من المآسي التي تعيشها المنطقة.

وفي نفس الآن لا ينفصل عن الضغط على روسيا والصين، ومحاولة إعادة ترتيب المعادلات بالمنطقة، من أجل فتح المجال لنهب الثروات الطاقية والسيطرة على المواقع الإستراتيجية، حتى لو كانت التكلفة إعادة إنتاج مهزلة الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق، والتي راح ضحيتها الآلاف من العراقيين، وربط كثير من الباحثين بين نشوء داعش والتدخل الأمريكي في العراق، بالإضافة إلى الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق والتي تقدر بأكثر من 6 تريليون دولار، وأكثر من 4000 قتيل في صفوفهم، كل هذا حتى تقدم العراق على طبق من ذهب لإيران، إنها إدارة فاشلة، ويجب أن تزول.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا