160
” بقدرما ينمو الرأسمال المنتج ، بقدرما يتسع تقسيم العمل واستخدام الالات ، وبقدرما يتم تقسيم العمل واستخدام الالات ، بقدرما تنتشر المزاحمة بين العمال ، وبقدرما تهبط اجورهم ” ماركس
في وصفه الدقيق لحالة الطبقة العاملة في انجلترا ، اعتبر انجلز وهو يتابع بزوغ أكبر الاضرابات العمالية في انجلترا ( 1842 ) مهد الصناعة ومعقل الطبقة العاملة ، أن العمال ليسوا وفقط هم ضحايا نظام فاسد مبني على استغلال قوة عملهم وليسوا كذلك يكدحون تحت وطأة الفقر و الحرمان من كل شيء ، بل وصف انجلز فصل في المكانة التاريخية و الدور المستقبلي الذي ستلعبه هذه الطبقة وهي تنهض للقتال ضد الرأسماليين ونظامهم رافعة ندائها الشهير ” حرب على القصور ، سلام على الاكواخ و البيوت الفقيرة ” .
لقد استطاع انجلز أن يرصد التحاولات التي تطرأ على الطبقة العاملة وخاصة رصده لظاهرة بروز جيش جديد من العاطلين عن العمل الذين يعرضون قوة عملهم للبيع ، لكن دون أن تجد هذه القوة من يشتريها ، فالرأسمال الكبير زحف على الانتاج الصغير وحول جموعا من الجمهور كانو يشتغلون في السابق كفلاحين في اراضيهم وعمال منازل الى عاطلين عن العمل واصفا بشكل دقيق ما يصاحب عملية التحول هذه من انتشار لكافة الامراض الاجتماعية من فقر وبغاء وجريمة وتسول ، بل صارت هذه الجموع تقطن احياء بكاملها .
لم يكن ماركس سباقا في رصد عملية بروز ” جيش العمل الاحتياطي ” فقد أشار لها انجلز في وصفه لحالة الطبقة العاملة الانجليزية ، لكن فضل ماركس يكمن في ابراز أن جيش العمل الاحتياطي هو جزء ضرورية من عملية تنظيم وتقسيم العمل في النظام الرأسمالي .
فما المقصود بجيش العمل الاحتياطي ؟ وما علاقته بظاهرة البطالة ؟ وما تأثيره على أجور العاملين ؟
يرتبط بروز ظاهرة الجيشٍ الاحتياطي للعمل ارتباطًا وثيقًا بتحليل ماركس للتركيب العضوي لرأس المال وميل التراكم الرأسمالي لتشجيع زيادة «مكوِّنِه الثابت، على حساب مكوِّنِه المتغير». بعبارة أخرى، يعود إنشاء جمهور من العاطلين أو العاطلين عطالةً مقنّعة لحاجة رأس المال لزيادة كتلة وقيمة وسائل الإنتاج (أي الآلات) على حساب انخفاض كتلة وقيمة العمالة الحية (بمعنى الأجور والعمال) ، فتراكم الرأسمال ينتج معه انتاج عدد متزايد من العمال ، فوفق ماركس ينتج العمال تراكما للرأسمال وفي نفس الوقت ينتجون ايضا وسائل تحويلهم الى فائض نسبي للسكان في تنام دائم. لكن المفارقة في خلق فائض من السكان العاملين، في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي، تكمن في أنّ فائضَ السكان العاملين هذا، بينما يولّدُهُ التراكم الرأسمالي بالضرورة، إلّا أنَّه رافعةٌ لهذا التراكم، وهو يُشكِّلُ بالتحديد ” جيشًا صناعيًا احتياطيًا يستطيع رأس المال أن يتصرف به، وهو ملكٌ مطلق لرأس المال، وكأنه قد رباه على نفقته الخاصة ” ماركس .
إن لجيش العمال الاحتياطي، بالنسبة إلى رأس المال، وظيفة مزدوجة: فهو من جهة يزوده بقوة العمل الضرورية في حال حدوث انتعاشة في الاعمال، ومن جهة ثانية تأتي المنافسة بين العمال العاطلين لتمارس ضغطا مستمرا على العمال المستخدمين وتخفض أجورهم حتى الحدود الدنيا، ولا يكف الاقتصاديين الرأسماليين عن الزعيق أن العمال المسرحون بفعل دخول الالة أو انهيار الانتاج في فرع صناعي أو خداماتي ما ، سيجدون عملا جديدا في فرع أو قطاع اخر وبنفس معدل الأجور التي سرحوا بها ، إن هذا الزعيق يناقض كل القوانين الاقتصادية لاسيما أن الصناعة الحديثة تنحو دائما الى الاستعاضة عن العمل المعقد الاعلى اجرا الى العمل البسيط المتدني الاجور حسب ماركس .
ويتميز جيش العمل الاحتياطي بين أربع فئات تختلف وظيفتها بالنسبة إلى رأس المال ولها شروط حياة مختلفة عن بعضها البعض.
ففي الفئة الاولى هناك عمال الصناعة ذوي الكفائات يتعطلون نسبيا تبعا ل “سوق الشغل ” وأيام عطالتهم تتغير حسب الازمات ويكون عددهم نسبيا غير كبيرا مقارنة بباقي الفئات .
الفئة الثانية وهو الجمهور الذي زحفت الرأسمالية على اراضيهم وحولتهم الى يد عاملة ذات مطالب عمل متواضعة وهي غير مرتبطة بأي فرع انتاجي محدد ومستعدة أن تعمل أي شيء .
الفئة الثالثة يشكلها العمال الموسميين وهي فئة كثيرة العدد ومنخفظة الاجر وتشكل ضغطا على باقي الفئات من حيث مزاحمتها لها في الاجور وبهذا المعنى تكون هذه الفئة مفيدة وضرورية لرأس المال وتعتبر منطقة سوس بالجنوب معقل هذه الفئة .
أما الفئة الرابعة بين فئات جيش الاحتياط البروليتاري فتتألف من «الفقراء» الحقيقيين الذين ينقسمون على فريق قادر على العمل. وتستخدمهم الصناعة والزراعة جزئيا في فترات ازدهار الأعمال، وفريق غير قادر على العمل يتألف من عمال كبار في السن لم يعد بامكان الصناعة استخدامهم ومن أرامل البروليتاريين ويتاماهم وأولئك الذين يتشوهون واقعين ضحية للصناعة الكبرى وللمناجم الخ. وهناك أخيرا أولئك الذين فقدوا عادة العمل وتحولوا على متشردين. وأبناء هذه الشريحة هم الذين يتحولون مباشرة إلى البروليتاريا الرثة: بما فيها من مجرمين وعاهرات. يقول ماركس إن الإفقار يشكل مأوى الطبقة العاملة والثقل الأساسي لجيشها الاحتياطي. ووجود هذا الإفقار يتحدد بالضرورة عن وجود جيش الاحتياط تماما كما أن هذا الجيش ينحدر عن تطور الصناعة. إن الفقر والبروليتاريا الرثة يشكلان جزءا من شرط وجود الرأسمالية نفسها ويزيدان بزيادتها: وبقدر ما تكون الثروة الاجتماعية والرأسمال وجمهورالعمال المستخدمين من هذا الرأسمال كبارا بقدر ما يكون جيش العاطلين عن العمل الموجودين في الاحتياط، وكلما كان جيش الاحتياط كبيرا بالنسبة إلى جمهور العمال العاملين ، كلما كانت انتشر الفقر المدقع والإفقار والجريمة و البغاء .
لقد استطاعت الماركسية أن تكنس كل الغبار الذي يحاول الرأسماليون ومنظريهم اسداله على واقع البطالة وباقي الافات الاجتماعية ، معتبرة أن هذه الظواهر ليست قضاء وقدر ، بل أن وجود جيش للعمل عاطل لا يجد عملا هو سابقة في التاريخ البشري ولم ينتجه أي نمط انتاج بالقدر الذي أنتجه النظام الرأسمالي وأن هذا النظام يخلق بيده حفار قبره – العمال – إن اهتدى هذا الجيش العاطل والمستخدم الى طريق الثورة الاجتماعية والتملك لوسائل انتاجه وانتاجه قدر ما يستهلك .
نشر هذا المقال في الجريدة المركزية للنهج الديمقراطي عدد شهر شتنبر 2019