سلّطت قضية المبرمجة المغربية ابتهال أبو السعد، التي كانت تعمل في شركة “مايكروسوفت” الأمريكية، الضوء على الجدل المتصاعد بشأن دعم بعض الشركات التكنولوجية لإسرائيل، في سياق استخدامها تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال عملياتها العسكرية في قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023.
وأدانت أبو السعد إدارة شركتها بمشاركتها في الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، قائلة إن “أيدي الشركة ملوثة بدماء الفلسطينيين”، وذلك بعد مقاطعتها كلمة ألقاها المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في “مايكروسوفت”، مصطفى سليمان، في العاصمة واشنطن، خلال احتفال بمرور نصف قرن على تأسيس الشركة.
وفي مقطع مصوّر نشر في 5 أبريل الجاري، وثّقت فيه الواقعة، صرّحت أبو السعد:
“أنتم تجّار حرب، توقفوا عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبادة الجماعية”، مضيفة أن “مايكروسوفت توفّر لإسرائيل برمجيات ذكاء اصطناعي توظفها في عدوانها على الفلسطينيين”.
وفي الحفل نفسه، وخلال وجود المؤسس المشارك لـ”مايكروسوفت” بيل غيتس، والرئيس التنفيذي السابق ستيف بالمر، والرئيس التنفيذي الحالي ساتيا ناديلا على المنصة، صاحت فانيا أغراوال، زميلة أبو السعد، قائلة: “عار عليكم جميعا، أنتم جميعا منافقون… عار أن تحتفلوا فوق دمائهم، اقطعوا علاقاتكم مع إسرائيل”، وقد جرى طردها من القاعة على الفور.
وفي 7 أبريل الجاري، أفادت قناة CNBC الأمريكية أن “مايكروسوفت” قررت فصل كل من أبو السعد وأغراوال، على خلفية احتجاجهما على الخدمات التي توفّرها الشركة لإسرائيل.
تسخير الذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية
قال الخبير المغربي في المجال الرقمي والتواصل، عبد الحكيم أحمين، في تصريح لوكالة “الأناضول”، إن الذكاء الاصطناعي “تسبب في مقتل نحو 75% من ضحايا الحرب على غزة، وفق دراسات حديثة”.
وأوضح أن أسباب دعم الشركات التقنية لإسرائيل متعددة، من بينها الاستثمارات المالية داخل إسرائيل، مشيرا إلى أن العديد من الشركات الكبرى مثل “مايكروسوفت”، “أمازون” و”غوغل” تلقّت تمويلا من مؤسسات مالية أمريكية.
وأكد أحمين أن هذه الشركات “استثمرت بشكل كبير في السوق الإسرائيلية، مما يمثل دعما مباشرا لها”.
وأضاف أن الشركات الرقمية أسهمت في تطوير تقنيات بحثية ومعلوماتية تستخدمها إسرائيل في الحصول على بيانات بطرق متعددة، مستشهدا ببرنامج “بيغاسوس” كمثال بارز، والذي يستخدم لمراقبة المعارضين في الداخل والخارج.
ويذكر أن برنامج “بيغاسوس” من إنتاج شركة NSO الإسرائيلية، التي تأسست عام 2010 وتتخذ من تل أبيب مقرا لها.
وقد كشفت تقارير إعلامية دولية منذ عام 2021 عن استخدام البرنامج من قبل عدة دول للتجسس على معارضين وصحفيين وناشطين سياسيين حول العالم.
دعم تقني وتتبع للفلسطينيين
أشار أحمين إلى أن الدعم التقني لإسرائيل يتخذ أشكالا متعددة، أبرزها مشاريع تقدم خدمات ذكاء اصطناعي تستخدم لمراقبة واسعة النطاق للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يوظف منظومات تكنولوجية لرصد ومتابعة جميع سكان فلسطين.
ومن بين هذه المشاريع، ذكر “نيمبوس”، وهو مشروع تشارك فيه “غوغل” و”غوغل كلاود بلاتفورم”، ويوفر لإسرائيل أدوات رقمية لمراقبة وتتبع الفلسطينيين، وفقا لتصور مسبق بأنهم جميعا محتملون للانخراط في “أنشطة مقاومة”.
وبيّن أن المشروع يصنف الفلسطينيين من 1 إلى 100، سواء في الضفة أو غزة، مما يمكّن إسرائيل من تتبعهم وجمع بيانات دقيقة حول أماكن تواجدهم بهدف تنفيذ غارات واستهدافات مباشرة.
وكشف تحقيق أجرته وكالة “أسوشيتد برس” مطلع عام 2025 أن شركتي “مايكروسوفت” و”أوبن إيه آي” تستخدمان نماذج ذكاء اصطناعي ضمن برنامج عسكري إسرائيلي يهدف إلى تحديد أهداف القصف في الحرب على غزة ولبنان.
كما تواجه مؤسسات تعليمية وشركات أخرى احتجاجات بسبب علاقاتها بإسرائيل، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على غزة.
الخوارزميات في خدمة آلة الحرب
قال أحمين إن من بين أبرز أشكال الدعم ما توفره شركات الذكاء الاصطناعي من خوارزميات متقدمة، تستخدم للحصول على المعلومات بسرعة، غالبا بطرق تتجاوز القوانين الإنسانية.
وأشار إلى أن هذه الخوارزميات تغذى ببيانات عن الفلسطينيين، مما يؤدي إلى تصنيفهم كأهداف عسكرية.
وأضاف: “عندما تصل هذه المعلومات إلى الجيش الإسرائيلي، يتم استهداف الأشخاص المصنّفين على أنهم يشكلون تهديدا، رغم أنهم مدنيون، وتدّعي إسرائيل أن هذه القرارات تتخذها أنظمة آلية لتجنب المحاسبة الدولية”.
كما أوضح أن تقنية التخزين السحابي تستغل لتخزين كميات هائلة من المعلومات الرقمية عن الفلسطينيين، مشيرا إلى أن هذه الخوادم تستهدف من مواقع عسكرية إسرائيلية.
وتابع أن “السحب الرقمية” تضم تطبيقات تستخدم لتحديد أهداف الغارات والتفجيرات، وتخزن صورا حية من الطائرات المسيرة، وتسهم في تسهيل عمليات إطلاق النار والسيطرة عن بعد.
وأردف أن هذه الإمكانات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ما يتيح للاحتلال امتلاك كم هائل من المعلومات المخزنة والمعالجة.
الجهات المزوّدة بالتخزين السحابي
قال أحمين إن “مايكروسوفت كانت المزود الرئيسي لإسرائيل بخدمات التخزين السحابي، إلى جانب غوغل وأمازون، وغيرها من الشركات الرقمية الأمريكية”.
وأضاف أن “شركات أمريكية وأوروبية زودت إسرائيل بتقنيات ساعدتها في تنفيذ الإبادة الجماعية”.
ووفق الخبير ذاته، فإن “شركة ميتا (فيسبوك سابقا) استعملت خوارزميات لتعقب السردية الفلسطينية، وحاولت حجبها والتقليل من انتشارها، مقابل الترويج للسردية الإسرائيلية”.
وأكد أن “ميتا ساهمت في التشويش على مهام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، كما كشفت تقارير سابقة”.
وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب حلفائه، يشنّ حربا رقمية شرسة على المحتوى الفلسطيني في الفضاء الرقمي، بالتوازي مع المجازر المرتكبة على الأرض.
حجّة العلاقة التجارية
يرى أحمين أن العلاقة بين هذه الشركات وإسرائيل “مغلفة بطابع تجاري، إذ تسعى الشركات إلى تسويق منتجاتها داخل إسرائيل بغرض تحقيق الربح، دون اعتبار للقيم الأخلاقية أو الحقوقية”.
ولفت إلى أن تلك الشركات “تصوغ مواثيق تدّعي فيها احترام حقوق الإنسان، لكنها تخالفها في الممارسة الفعلية”. وأضاف أن هناك شراكات خفية تدعم هذا التوجه، تتمثل في وجود مدراء وموظفين مزدوجي الجنسية وذوي ميول سياسية أو دينية تؤيد إسرائيل، وهو ما يسهم في تقديم الدعم التقني لها.
ويشار إلى أنه منذ بدء العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، صعّد جيش الاحتلال والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 947 فلسطينيا وإصابة قرابة 7 آلاف آخرين، وفق معطيات رسمية فلسطينية.
وفي غزة، وبدعم أمريكي مطلق، ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 166 ألف شهيد وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود.