حمزة الشافعي
بحلول 20 فبراير 2025، تكون قد مضت أربع عشر سنوات على هبّة “الربيع العربي” في المغرب، المعروفة باسم “انتفاضة 20 فبراير”. وهي مناسبة للتساؤل عن أسباب عدم اكتمال الحلم والفشل في تحقيق الآمال بالديمقراطية والحرية الموعودة، التي أتت بها الانتفاضة في غمرة الثورات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية.
لقد شكل الربيع العربي نقطة جوهرية في التغير الاجتماعي والسياسي في العديد من الأقطار العربية، والتي تعتبر قفزة نوعية نسبيا لدى مختلف الشعوب العربية والمغاربية والتي تتمثل في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي للمجتمعات التي لا يزال صداها إلى اليوم.
شهد المغرب في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تحولا هاما في المشهد السياسي والاجتماعي بفضل حركة 20 فبراير التي ظهرت في سياق الربيع العربي. الحركة لم تكن مجرد احتجاج على الأوضاع القائمة، بل مثلت محطة مفصلية في بناء الوعي السياسي وتعزيز ثقافة الاحتجاج السلمي والتي كانت ترفع مطالب سياسية واجتماعية، وتعزز ثقافة التنظيم.
في هذا المقال، سنحاول أن نستعرض دور حركة 20 فبراير في تشكيل الحركات الاحتجاجية بالمغرب وتأثيرها على الوعي السياسي لدى الأفراد والجماعات، وذلك من خلال أسئلة ذات طابع استفهامي أكثر منها استجوابي وهي كالتالي:
هل يمكن اعتبار حركة 20 فبراير حركة اجتماعية أم مجرد موجة عابرة تأثرت بالربيع العربي؟ وأي دور لحركة 20 فبراير في بروز حركات احتجاجية أخرى؟ وكيف ساهمت في بلورة وتطور الوعي السياسي في صفوف الشعب المغربي؟ وما هي أهم الأسباب التي ساهمت في تراجعها؟ وهل يمكننا أن نعتبر الحركة قتلت أم لا زال إرثها في صفوف الحركات الاحتجاجية الأخرى؟
- السياق التاريخي لظهور حركة 20 فبراير:
بادئ ذي بدء وقبل الخوض في جوهر الموضوع لابد لنا أن نعرج على السياق التاريخي لظهور الحركة، فقد ظهرت حركة 20 فبراير في سياق متأثرة بموجة الثورات العربية التي اجتاحت الأقطاب العربية والمغاربية عام 2011، حيث طالبت الشعوب بإسقاط الفساد والاستبداد وتحقيق العدالة الاجتماعية. والتي بدأت شرارتها في تونس بحيث قام ” البوعزيزي” وهو شاب تونسي، قام يوم الجمعة 17 دجنبر سنة 2010 بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجا على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد لعربة كان يبيع عليها الخضروات والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية التي صفعته أمام الملأ وقالت له : (Dégage) أي إرحل (فأصبحت هذه الكلمة شعار الثورة للإطاحة بالرئيس وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة)، بعد ذلك انتشرت شرارة الانتفاضات إلى باقي البلدان العربية كمصر، ليبيا، سوريا…
وطبعا لم يسلم المغرب من هذه الانتفاضات، بحيث كانت الظروف مهيأة لنشوء حركة احتجاجية نتيجة لتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والظلم والتضييق على الحريات.
فقد كان المجتمع المغربي يعيش أزمات عديدة في العديد من القطاعات والحقول، فتفاقمت البطالة وغلاء المعيشة مع الأجور الهزيلة، بالإضافة إلى الاختلاسات المالية من طرف العديد من السياسيين والمسؤولين في البلاد، ناهيك عن التضييق على حرية التعبير ومتابعة العديد من الصحفيين والمناضلين الرافضين لهذه السياسة الممنهجة من طرف الدولة والتي كانت أرضية خصبة لنشأة حركة 20 فبراير.
وبالتالي فإن السياق التاريخي عبر الربيع العربي، والسياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي شكل محورا رئيسيا في ظهور الحركة التي نادت بالعيش الكريم، والحرية والكرامة وإسقاط الاستبداد والفساد.
وكما هو معلوم فإن بداية ظهور الحركة لم تكن بالشكل التقليدي عبر النقاش العمومي في الفضاء العام بل كانت في الفضاء الافتراضي، بحيث بدأت التعبئة بشكل معكوس، أي من الواقع الافتراضي (الفايسبوك) إلى الواقع الحقيقي ثم بعد ذلك تمت هيكلة الحركة عبر المجلس الوطني والتي ضمت الشباب المستقلين والتيارات والأحزاب السياسية بمختلف أشكالها وتوجهاتها اليسارية والإسلامية والحقوقية، مما جعل الحركة قوية في بلورة برنامج نضالي ورفع المطالب الأساسية المتفق عليها وأهمها إسقاط الفساد والاستبداد.
- هل يمكن اعتبار حركة 20 فبراير حركة اجتماعية؟
للإجابة على هذا التساؤل لابد لنا من الرجوع إلى التأصيل النظري حول الحركات الاجتماعية، فكما هو معلوم في أبجديات علم الاجتماع تعرف الحركات الاجتماعية بشكل عام: ” أنها عبارة عن مشروع جماعي لتثبيت نظام جديد في الحياة، وهي تعبر أساسا عن حالة من القلق، وتستمد بواعث قوتها من عدم الرضا عن الحالة السائدة، ومن الرغبات والآمال التي تصبو إلى تحقيق نظام جديد، وكلما نمت الحركة الاجتماعية اكتسبت شكلا أكثر تنظيما واتسمت بتقاليد مميزة، كما تتميز بقيادات مستقرة وتندرج في الوظائف وتتحدد قيمها وقواعدها الاجتماعية أكثر”. (سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية، بداوي محمد سفيان، ص4).
وكما ذهب عالم الاجتماع “آلان تورين” والذي يعرف بتخصصه في الحركات الاجتماعية بتعريفه للحركات الاجتماعية بقوله: ” الحركات الاجتماعية هي تعبير عن الصراع الأساسي الذي يحدد التوجهات الثقافية الكبرى التي ينظم المجتمع ذاته من خلالها، إنها بعبارة أخرى، حقل الاهتمام الذي يسمح بالوقوف عند ديناميات الصراع الأساسي في المجتمع، وهو الصراع حول التحكم في التاريخانية، والصراع من أجل تحقيق الذات الفاعلة لذاتها”. (محمد خيدون، مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 82 ص85).
وعموما فإن مفهوم الحركات الاجتماعية حسب “آلان تورين” فهي حقل صراع من أجل تغيير هيمنة علاقات السيطرة الاجتماعية الممارسة على الموارد الأساسية الثقافية، والتي تتضمن الانتاج والقواعد الثقافية والإيثيقية. وبالتالي فإن هذا الصراع يؤدي إلى إحداث تغيرات عميقة قد تكون عبارة عن قطيعة في النظام السياسي، أو إصلاحات مؤسساتية تتمظهر بشكل يومي في أشكال التنظيم الاجتماعي والثقافي أي في علاقات السلطة. ومن هنا فالحركات الاجتماعية تهدف إلى إعادة النظر أو إحداث تغيير في علاقات السلطة وفي اللامساواة التي تتمظهر من خلال المؤسسات والتنظيمات.
انطلاقا من هذه التعريفات يتبين لنا بشكل علمي وملموس بأن حركة 20 فبراير هي فعلا حركة اجتماعية بمقوماتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، بحيث تهدف إلى مبدئ التغيير عبر مشروعها وهدفها كان واضحا في برنامجها السياسي في إحداث تغيير سياسي واجتماعي وأيضا في هيكلتها التنظيمية مما يتبين على أنها حركة اجتماعية، على عكس ما يشاع بأنها فقط موجة متأثرة بالربيع العربي.
- دور حركة 20 فبراير في بروز الحركات الاحتجاجية وبلورة الوعي السياسي في المجتمع:
بالرجوع إلى السؤال الرئيسي في هذه المقالة وهو أي دور لحركة 20 فبراير في بروز الحركات الاحتجاجية؟ وكيف ساهمت في بلورة الوعي السياسي في المجتمع؟
وكما سبق الذكر فإن حركة 20 فبراير ظهرت في سياق اتسم بالحركات الاحتجاجية في العالم العربي والمغاربي وهو ما يعرف باسم الربيع العربي، وبالتالي فمن الطبيعي أن يتأثر المغرب بهذا الحراك وشكلت حركة 20 فبراير انطلاق الاحتجاج في المغرب.
إن الطابع الذي يميز حركة 20 فبراير عن باقي الحركات الاحتجاجية السابقة هو التنظيم أي كانت الحركة منظمة وتعتمد في آليات اشتغالها على الهياكل التنظيمية ومجالسها الوطنية في اتخاد القرارات، كما كان لديها برنامج سياسي واضح في اشتغالها، بالإضافة إلى الطابع المميز الآخر لها والذي كسر القاعدة العامة في باقي التنظيمات السياسية الأخرى وهي تنوع التيارات السياسية والحقوقية من داخلها أي كانت تضم الأطراف والتنظيمات اليسارية والإسلامية والليبرالية والحقوقية ورغم هذا التنوع الإيديولوجي فقد استطاعت الحركة أن تكسر هذا الحاجز وتوحيد النضالات على أرضية واحدة ومشتركة وملف مطلبي واحد وجوهره إسقاط الفساد والاستبداد.
إن دور الحركة في تنظيم الاحتجاجات في صفوف الشعب المغربي شكل نقطة قوية وأساسية في التعبئة والنضال والحق في الاحتجاج، وكما يقول المفكر الماركسي لينين: ” من لا تنظيم له لا قوة له، ومن لا قوة له لا حق له”، ومن هنا تكمن قوة الحركة في تنظيمها وبرنامجها واختلاف مكوناتها بالرغم من الصراعات التي كانت داخل الحركة فهذا شيء طبيعي في أي صراع وأي حركة، ومع ذلك صمدت وتجاوزت كل هذه الصعوبات.
إن من بين أهم النقاط الأساسية أيضا التي ساهمت في بناء الحركة هي شكل تعبئتها في الاحتجاج، فعكس التنظيمات الأخرى التي كانت تعتمد على أشكال التعبئة التقليدية، كانت الحركة تعتمد على التعبة في وسائل التواصل الاجتماعي نظرا لما تعرفه من حرية في التعبير وعدم التضييق وكما أن وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف مختلف الشرائح في المجتمع وبأقل تكلفة، والتي استغلتها الحركة لصالحها في التعبئة والتراكم والتواصل مع المجتمع وتنزيل ذلك على أرض الميدان.
يمكن أيضا إضافة مميزات الحركة في قوتها وبنائها هي شمولية القضايا التي كانت تناقشها وتدافع عنها والتي تدمج في القضايا الاقتصادية كارتفاع البطالة، والزيادة في الأجور، وخفض أسعار المواد الغدائية… والاجتماعية: في تحسين الظروف المعيشية وبناء المدارس والمستشفيات… وأيضا السياسية: في حرية التعبير، والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، وإسقاط الفساد والاستبداد. كما شيدت الحركة بضرورة الاحتجاج السلمي بالرغم من القمع الشديد التي تعرض له مناضلوها والاعتقالات الواسعة والترهيب وكل أشكال القمع، إلا أنها ظلت متشبثة بمبدأ السلمية مما جعلها تحظى بتأييد شعبي واسع.
وفي السياق ذاته فقد ساهمت الحركة في بناء شبكات التضامن بحيث شكلت الحركة أساسا لشبكات تضامن محلية ووطنية، حيث ساعدت على ظهور منظمات وجمعيات تهتم بالقضايا الاجتماعية والسياسية، وكما وحدت أطيافا مختلفة من التيارات السياسية والفكرية، رغم اختلاف توجهاتها الأيديولوجية. كما يحسب أيضا على الحركة في بناء ثقافة الاحتجاج بحيث رسخت الحركة مبدأ “الاحتجاج حق مشروع” في المجتمع المغربي، وأصبحت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية أداة شائعة للتعبير عن المطالب والاحتجاج وبالتالي كرست ثقافة النضال والاحتجاج وكسر مبدأ الخوف.
لقد شكلت الحركة إرثا نضاليا رغم الانتكاسات التي عرفتها بعد ذلك، بحيث بعد حراك 20 فبراير عرف الشعب المغربي العديد من الاحتجاجات والانتفاضات كحراك الريف وجرادة، وفكيك والشغيلة التعليمية إلى الفترة الحالية، ودائما ما كانت ترفع شعارات الحركة وأعلامها والاشتغال تنظيميا بأغلبية آلياتها ومبادئها. كما أظهرت أهمية التنظيم والتواصل الاجتماعي كأدوات للتغيير.
- دور الحركة في بلورة الوعي السياسي في المجتمع المغربي:
كما هو معلوم فإن التأطير السياسي تاريخيا تقوم به الأحزاب السياسية وبعض جمعيات المجتمع المدني، لكن مع تطور الوعي البشري والتنظيمات الاجتماعية والسياسية في العصر الحالي جعل العديد من المنظمات والحركات تلعب هذا الدور نظرا لفقدان الثقة في الأحزاب السياسية وفراغ في الأطر السياسية في الأحزاب الحالية في المغرب، بالإضافة كذلك إلى فراغ في العمل السياسي الأصيل مما جعل أفراد المجتمع يخلقون بديلا عن هذه الأحزاب التي أصبحت تمارس السياسة لمصالحها الشخصية وفقط.
إن الدور التي لعبته الحركة في بلورة الوعي السياسي لدى المجتمع كان له أثر حتى بعد الحراك، فقد ساهمت بشكل كبير في تحفيز النقاش العام عبر فتح الحوار السياسي بين جميع الأطراف السياسية رغم اختلافاتها السياسية والأيديولوجيا، كما ناقش المغاربة لأول مرة في الفضاء العام قضايا سياسية مثل شكل النظام المغربي ومقترح الملكية البرلمانية كبديل، وفصل السلطات، ودور الشباب في صنع القرار. وساهمت الحركة أيضا في تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع وأهم الاختلالات التي تعرفها مؤسسات الدولة ومن خلال ذلك برزت مطالب تدعوا إلى تعزيز دور المواطنين في الرقابة والشأن العام.
لعبت حركة 20 فبراير دورا مهما وسط الشباب نظرا لكون الحركة تضم فئة عريضة من الشباب مما جعل الحركة تساهم في تمكين الشباب عبر دفعهم إلى الإنخراط في الشأن العام، سواء عبر المشاركة المباشرة في الاحتجاج والنضال، أو من خلال التعبئة والنقاش داخل وسائل الإعلام، وبالتالي كسر شباب 20 فبراير حاجز الخوف من التعبير عن الظلم والطغيان والفساد، ومن خلال ذلك برزت من داخل الحركة العديد من القيادات السياسية الجديدة والنشطاء الفاعلين.
من بين أهم النقاط التي تحسب على الحركة في رفع الوعي السياسي في المجتمع هي تطوير الوعي الحقوقي بحيث كانت ثقافة حقوق الإنسان منخفضة في الثقافة الشعبية في المجتمع، ولكن بفضل الحركة ساعدت في رفع مستوى الوعي بحقوق الإنسان، مثل حرية التعبير والتجمع، وحق المواطنين في محاسبة المسؤولين، وحقوق المرأة، والمساواة… وساهمت في خلق إدراك مجتمعي بأهمية الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- ما الذي أدى إلى وأد حراك 20 فبراير؟
إن الأسباب التي أدت إلى إجهاض الحركة تختلف وتتنوع حسب السياق والقراءة السياسية لكل تيار مشارك في الحراك، وأيضا الشروط الموضوعية والذاتية. وبالتالي سنحاول أن نشير إلى أهم الأسباب بشكل موضوعي.
- العوامل الموضوعية:
من بين أهم الأسباب والعوامل التي وأد حراك 20 فبراير هي القمع الذي تعرض له نشطاء الحركة من اعتقال ومتابعات واغتيال في بعض المناطق، ففي مدينة “سوق السبت أولاد النمة”، أقدمت الشابة فدوى العروي على إحراق نفسها أمام مقر السلطة احتجاجا على إقصائها من لوائح الحصول على سكن لائق، وكان سبب الإقصاء كونها أم عازبة لا أب لطفلها الصغير وسمتها الصحافة “شهيدة الحق في السكن”.
وفي بني بوعياش خلال “مسيرات 20 فبراير”، قتل الشاب كمال الحساني، الناشط في الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، وتوفي الشاب محمد بودروة بعد تدخل أمني لتفريق اعتصام كان يقوده في جمعية للمعطلين بمدينة آسفي، وفارق الحياة أيضا الشاب كمال العماري بعد تدخل أمني استهدف مسيرة لـ “حركة 20 فبراير” في مدينة آسفي، والشاب كريم الشايب في نفس الظروف خلال مشاركته في مسيرة للحركة بمدينة صفرو.
وكان الشبان عماد القاضي وجواد بنقدور وجمال السالمي وسمير البوعزاوي ونبيل جعفر، ماتوا حرقا يوم 20 فبراير 2011 داخل وكالة بنكية بمدينة الحسيمة. كما صرحت عائلاتهم، إلا أن السلطات اتهمت الضحايا بمحاولة نهب الوكالة، ورفضت إطلاع الرأي العام على تسجيلات الكاميرات لكشف الحقيقة، ليضاف ضحايا “حركة 20 فبراير” إلى ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سنوات الرصاص، في مشهد مدان عنوانه: “غياب الحقيقة والإفلات من العقاب”.
بالرغم من كل هذا القمع الذي نهجته الدولة في التعاطي مع الحراك لم تستطع أن تكبح جماح الحراك ومن ثم لجأت إلى سياسة أخرى وهي سياسة الاحتواء حيث لجأت إلى إصلاحات شكلية في المطالب التي كانت تطالب بها الحركة، ومحاولة احتواء قياداتها عبر عروض مالية ومناصب شغل. وخروج رئيس الدولة في خطاب رسمي من أجل تنفيس الضغط في صفوف الشعب، وهمت الإصلاحات إعلان دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة، ورغم مؤاخذات “حركة 20 فبراير” والمعارضة الراديكالية على المشروع الدستوري الممنوح، ودعوتها لمقاطعة التصويت عليه، بعد ذلك اتضح أن الأمر لم يكن سوى مناورة سياسية، فالدستور الجديد رغم ما يؤاخذ عليه، يبقى متقدما على نصوص مماثلة في المنطقة. لكن معارضيه سيفاجؤون بأنه لا يطبق، وأن تفعيله وإجراءاته أكثر من بطيئة، ويتطلب تنزيله أكثر من عشرين قانونا تنتظر التشريع، ما ترك المجال للنظام بالاستمرار في نهج ما سمي بـ”الدستور العرفي” الذي يعني الحكم المطلق حسب المعارض البارز المحامي عبد الرحمان بنعمرو.
- العوامل الذاتية:
إن من بين أهم العوامل الذاتية التي شكلت تحديا للحركة يمكن أن نشير إلى أهم نقاطها الرئيسية نظرا لكل نقطة تستلزم علينا نقاشا معمقا والذي سنحاول أن نتطرق إليه في مقال آخر.
- غياب القيادة الموحدة: تنوع المشاركين واختلاف الأيديولوجيات أدى إلى عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة للحركة، وانسحاب العدل والإحسان شكل ضربة موجعة للحركة.
- تشتت المطالب: شمولية القضايا التي تناولتها الحركة خلقت صعوبة في التركيز على أولويات محددة.
- الخلافات الداخلية: ظهور انقسامات بين التيارات المشاركة نتيجة للاختلافات الأيديولوجية والسياسية، والتركيز على التناقضات الثانوية عوض التركيز وتوجيه السهام على التناقض الرئيسي.
- ضعف التنظيم طويل الأمد: رغم نجاح الحركة في الحشد السريع، إلا أنها افتقرت إلى بنية تنظيمية مستدامة تدعم استمراريتها.
بعد عقد من الأعوام، لا تبدو “الحركة” اليوم مثل حدث تاريخي عابر وبعيد، مرَّ وانطفأ. فالأسباب التي انبثقت من صلبها الحركة لا زالت شاخصة من غير جواب، خصوصا مع فقدان الأحزاب السياسية لمصداقيتها وضعف خطابها. ما يؤشر الآن إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي، وما يحيل إلى عودة سنوات الرصاص في عهد الراحل الحسن الثاني، بل يشير باحتمالات مقاطعة واسعة للانتخابات المقبلة، بعدم المشاركة في الانتخابات المقررة مستقبلا، نظرا لفقدان الثقة في الأحزاب السياسية ووعي المجتمع بأن المخزن هو المسؤول الأول والأخير.
وفي هذا الصدد تقول سناء. م. من نشطاء “20 فبراير” إن “حركة 20 فبراير” لم تكن أبدا مجرد سحابة صيف، وبأن الأمل راسخ في استعادة الحركة لزخمها الشعبي ولتوهجها المنير، خصوصا مع السخط الشعبي العارم لسياسة النظام التي يتولى تصريفها اليوم الإسلاميون”. وتضيف سناء: “إن من يبحثون عن نموذج تنموي بديل عليهم الرجوع إلى بيانات “حركة 20 فبراير”، فالحل هو الديمقراطية، ولا شيء غير الديمقراطية”.
ختاما يمكن القول بأن حركة 20 فبراير لعبت دورا محوريا في بناء الحركات الاحتجاجية بالمغرب وتعزيز الوعي السياسي. ورغم أن الحركة لم تحقق جميع أهدافها، إلا أن إرثها يستمر من خلال تأثيرها العميق على ثقافة الاحتجاج والمطالبة بالإصلاح. تظل تجربة 20 فبراير شاهدا على قدرة الشعوب على المطالبة بحقوقها بطرق سلمية ومنظمة، ودافعا لمواصلة السعي نحو التغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية.