الصفحة الرئيسية رأي بناء أوطم موحد: هل نكون جزءاً من الحل أم جزءاً من الأزمة؟

بناء أوطم موحد: هل نكون جزءاً من الحل أم جزءاً من الأزمة؟

يمكن للطلبة أن يستعيدوا دورهم الريادي في الجامعة والمجتمع، ويساهموا في تحقيق تغيير إيجابي يخدم الجميع.

كتبه user B

أدم روبي

في ظل التحديات التي تواجه الحركة الطلابية المغربية اليوم، نحن أمام مفترق طرق حاسم: إما أن نكون جزءًا من الحل أو نغرق في الفوضى. كما في أسطورة “الإلياذة” حيث مصير الجيش الإغريقي يعتمد على قرار واحد في ساحة المعركة، وفي “الأوديسة” حيث الوصول إلى الهدف يتطلب تحدي الصعاب، فإن معركتنا لإعادة بناء أوطم موحد تحتاج إلى توحيد الصفوف وإرادة قوية. أمامنا خيار واضح: إما بناء نقابة موحدة تعيد للحركة الطلابية قوتها أو الاستمرار في الانقسام الذي يعمق أزمتنا.

كما أن أوديسيوس في “الأوديسة” كان يواجه تحديات هائلة في رحلته الطويلة للعودة إلى وطنه، كانت كل خطوة له مليئة بالمخاطر والقرارات المصيرية، فإن الحركة الطلابية المغربية اليوم في رحلة مماثلة. أوديسيوس، الذي تجنب الفخاخ وتمكن من التغلب على العراقيل بفضل حكمته وقيادته، يقدم درسًا في أهمية الوحدة والإرادة القوية. مثلما استطاع أن يواجه المخلوقات الأسطورية ويخترق العواصف، علينا نحن أيضًا أن نتحد ونواجه التحديات الحالية التي تهدد وحدة صفوفنا. إن معركتنا اليوم، لإعادة بناء أوطم موحد، تحتاج إلى رؤية واضحة وشجاعة لنعبر من خلالها إلى مرحلة جديدة من الفعل الطلابي الموحد.

غياب التنظيم الموحد وتأثيره

منذ نهاية السبعينيات، شهدت الحركة الطلابية المغربية تراجعًا ملحوظًا في بنيتها التنظيمية، خاصة بعد فشل المؤتمر السابع عشر لنقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. هذا الفشل أدى إلى انهيار النقابة كإطار موحد يمثل مصالح الطلبة، مما خلق فراغًا تنظيميًا خطيرًا.

في ظل هذا الفراغ، ظهرت محاولات متعددة لملئه، لكنها غالبًا ما أخذت شكل بدائل فوقية تفرضها تنظيمات سياسية محددة دون إشراك القاعدة الطلابية. تأسيس “الاتحاد العام لطلبة المغرب” من قبل حزب الاستقلال، والنقابة التي أطلقتها جماعة العدل والإحسان، يمثلان أمثلة واضحة على محاولات لفرض بدائل جاهزة على الطلبة. المشكلة ليست في وجود تنظيم طلابي ينتمي لحزب أو جماعة؛ فطوال تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ساهم شباب ينتمون إلى أحزاب مثل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال في النضال الطلابي. ولكن الإشكال يكمن في إسقاط هياكل نقابية جاهزة فوقيًا دون أن تكون نابعة من الحراك القاعدي الديمقراطي.

هذه البدائل تكرس الانقسام داخل الجامعة، حيث تتحول الفصائل الطلابية إلى أدوات صراع إيديولوجي بدلًا من أن تعمل في إطار نقابي موحد يمثل جميع الطلبة. بناء نقابة ديمقراطية قاعدية هو السبيل لتجاوز هذا التشرذم وإعادة إحياء النضال الطلابي.

ظاهرة العنف الجامعي وجذورها

أصبحت ظاهرة العنف الجامعي واحدة من أبرز مظاهر أزمة الحركة الطلابية. في الجامعات المغربية، مثل جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، تتحول الصراعات بين الفصائل الطلابية إلى مواجهات عنيفة تعكس غياب التنظيم النقابي الموحد.

هذا العنف ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات تاريخية وسياسية، حيث أدى غياب النقابة الطلابية الديمقراطية إلى فراغ ملأته الفصائل المتصارعة. وعلى الرغم من محاولات مواجهة هذه الظاهرة، مثل ندوة جامعة القاضي عياض بمراكش عام 2010، فإن غياب الحلول الجذرية حال دون تحقيق تقدم ملموس. الحل يكمن في بناء نقابة ديمقراطية قاعدية قادرة على توفير فضاءات للنقاش الحر وتعزيز ثقافة الحوار بدلًا من المواجهة.

أي عاقل اليوم يدرك ضرورة نبذ العنف الجامعي ويدين الاقتتال بين الطلبة، الذي لا يخدم إلا من يريدون الإبقاء على حالة التشرذم. ويعكس البيان الأخير للنهج الديمقراطي القاعدي موقع وجدة موقفًا مشرفًا في هذا الصدد، حيث أدان العنف بشكل واضح، داعيًا إلى نبذ الصراعات والبحث عن حلول تنظيمية ديمقراطية. هذا التحول الإيجابي يُعد خطوة مهمة نحو تعزيز ثقافة الحوار وإيجاد البدائل البناءة للنضال الطلابي.

النضالات الفئوية بين التنظيم والانعزال

رغم حالة الجمود العام، برزت بعض النضالات الفئوية مثل حركات طلبة الطب والممرضين كنماذج استثنائية من حيث التنظيم والوعي النقابي. هذه الحركات برهنت على مستوى تنظيمي ووعي نقابي منقطع النظير، يتجاوبكثير ما يشهده الحراك الطلابي في الجامعات المفتوحة.

لكن مع ذلك، تُظهر هذه الحركات نزعة انعزالية تُضعف العمل النقابي الشامل وتحد من قدرته على توحيد الصفوف. نجاح هذه الحركات يعكس إمكانيات الطلبة عندما تكون المطالب واضحة والتأطير قويًا، لكنه أيضًا يُبرز الحاجة إلى نقابة جامعة تربط بين النضالات الفئوية والقضايا الوطنية الكبرى.

النقابة التي نطمح إليها يجب أن تكون إطارًا قادرًا على دمج هذه النضالات في مشروع جماعي شامل يعزز الوحدة الطلابية بدلًا من تكريس النزعة الانعزالية.

ضعف التكوين النقابي والسياسي

في الماضي، كانت الجامعة المغربية فضاءً للنقاش الفكري والسياسي، حيث ساهمت القوى اليسارية في تأطير الطلبة ورفع وعيهم النضالي. لكن سياسات تقويض العمل النقابي وتهميش الفكر النقدي أدت إلى تفكيك هذا الدور.

اليوم، يعاني الطلبة من ضعف التكوين النقابي والسياسي، مما يجعلهم عاجزين عن تنظيم أنفسهم أو الدفاع عن حقوقهم بشكل فعال. النقابة التي نطمح إليها يجب أن تكون أكثر من مجرد إطار نقابي؛ يجب أن تكون مدرسة جماهيرية تعلم الطلبة أسس العمل الجماعي والنضال الديمقراطي، وتعيد الاعتبار للفكر النقدي كأداة أساسية للتغيير.

أي نقابة طلابية نريد؟

النقابة التي نطمح إليها يجب أن تتمتع بخصائص أساسية تجعلها قادرة على تجاوز الأزمة الحالية:

جماهيرية: تعني أن النقابة تنبع من القاعدة الطلابية وتعبر عن قضاياها اليومية، بدلًا من أن تكون مفروضة من نخب سياسية.

ديمقراطية: تقوم على إشراك جميع الطلبة في اتخاذ القرارات، بما يضمن تمثيل مختلف التيارات والتوجهات.

تقدمية: تسعى للدفاع عن التعليم العمومي والحقوق الاجتماعية، مع ربط النضال الطلابي بالقضايا المجتمعية الكبرى.

مستقلة: استقلال النقابة لا يعني الانعزال عن السياسة، بل يعني رفض الوصاية الحزبية والالتزام بمصلحة الطلبة فوق كل اعتبار.

خطوات عملية لإعادة بناء النقابة

لإعادة بناء النقابة الموحدة، يمكن اتخاذ خطوات عملية تتضمن:

  1. بناء الهياكل القاعدية الديمقراطية: البدء من لجان الأقسام كأصغر وحدة تنظيمية تضمن مشاركة جميع الطلبة.

  2. تنظيم لقاءات حوارية موسعة: تجمع مختلف الفصائل والتيارات الطلابية لتجاوز الخلافات ووضع رؤية مشتركة.

  3. عقد مؤتمر وطني توحيدي: يتوج الدينامية التنظيمية بوضع استراتيجية موحدة للنضال الطلابي.

  4. تعزيز التكوين النقابي والسياسي: من خلال تنظيم دورات وندوات ترفع وعي الطلبة وتؤهلهم للعمل النقابي.

  5. ربط النقابة بالنضال المجتمعي: عبر تبني قضايا وطنية مثل الدفاع عن التعليم العمومي ومناهضة السياسات النيوليبرالية

خاتمة:

إن إعادة بناء النقابة الموحدة هو السبيل الوحيد لإحياء الحركة الطلابية المغربية كقوة تغيير حقيقية. النقابة التي نطمح إليها يجب أن تكون ديمقراطية وجماهيرية ومستقلة، تعبر عن تطلعات الطلبة وتربط نضالهم بالقضايا الوطنية. ببناء نقابة بهذه الخصائص، يمكن للطلبة أن يستعيدوا دورهم الريادي في الجامعة والمجتمع، ويساهموا في تحقيق تغيير إيجابي يخدم الجميع.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا