رواية شتاء غونتر لخوان مانويل ماركوس
الصفحة الرئيسية • قضايا الفن و الثقافة قراءة في رواية شتاء غونتر لخوان مانويل ماركوس

قراءة في رواية شتاء غونتر لخوان مانويل ماركوس

كتبه user B

سعد مرتاح

قراءة في رواية شتاء غونتر
لخوان مانويل ماركوس

شتاء غونتر، حكاية أخرى من حكايات الدموع والآسى والالم، رواية تحكي عن البارغواي ذلك المكان الغابر في أمريكا اللاتينية أثناء رضوخها تحت الحكم العسكري الديكتاتوري، أبطال القصة هم “غونتر” الاقتصادي الخبير الذي يشغل منصب قيادي رفيع في صندوق النقد الدولي، وزوجته “اليزا” الأستاذة الجامعية المتألقة، وابنة اخته “غونتر” والتي أثر في كثيرا قصتها “سوليداد”، وأيضا الشقيقين المنتميان للطبقات الغنية في باراغواي “فيرونيكا” و”البيرتو”،

تجسد الرواية عن معاناة الشباب/ات التواقين/ات للتحرر في المجتمعات المحافظة المستبدة وذلك وبتسليطها الضور على حياة الشابتين والشاب، فرغم اللباس المحافظ الذي تفرضه المدرسة إلا ان الشباب/ات كان لهم لباس آخر خارجها لباس يجدون فيه ذاتهم/ن الحقيقية، “سوليداد” و”فيرونيكا” كانتا صديقين جد مقربتين رغم اختلاف انتماءهما الطبقي، – سوليداد كانت فقيرة وكان تشتغل كعاملة جنس باسم مستعار لتوفر مصاريف الدراسة والحياة – بل وأصبحت بينهما علاقة حب حقيقية، كما كانتا من قادة الحركة الطلابية التقدمية آنذاك،

أب الشقيقين بما أن أبنائه قاصرين وزوجته مجنونة، سيقرر تكليف “لاراين” وصي عليهم بعد مماته بالتصرف في ثروتهم إلى حين ان يبلغوا السن الرشد وسيقع اختياره على صديقه القديم “لاراين” غير انه بعد هذا القرار مباشرة سيتم اغتيال الاب وزوجته والرواية بطريقة غير مباشرة توحي ان “لاراين” هو المجرم، والشرطة لا تحقق كفاية في الجريمة كعادتها وستعلق التهمة في زوجته المجنونة بانها قتلت زوجها وبعدها قتلت نفسها،

القاتل الذي أصبح وصي على الأولاد سيخيرهم يا إما ان يطيعوه او يحرمهم من ثورة أبيهم، الشقيقين وسوليداد وهم يهيئون لمسرحية نهاية السنة في البيت، – سوليداد التي كانت تلبي الرغبات الجنسية لكل منهما، فترة ها هي مثلية مع الفتاة التي تحبها وتارة مع ألبيرتو الذي يعجبها-، يقررون قتل “لاراين” وذلك أثناء المسرحية كي لا يشك أحد فيهم، وأن البرتو هو من سيقوم بالمهمة.

إلا أن البرتو بعد اتجاهه إلى مقر “لاراين” ولتردده في إطلاق النار سينتهز الفرصة لينزع سلاحه ويغتاله في الحين، بعده سيأتي شخص مجهول يرميه بالرصاص أيضا،

المخابرات لم تبد مهتمة كثيرا بكشف الحريمة، بل بدا أنهم أرادوا الاستفادة منها في الانتقام ولتصفية حساباتهم مع زعماء الحركة الطلابية وبالأخص الناشطتين فيرونيكا وسوليداد، إذ ستتهم رسميا بأن الفتاتين هم من قاما بالاغتيال ليتم اعتقال سوليداد في الحين، وفيرونيكا بعد مدة بسبب هربها،

فيرونيكا سيطلق سراحها فيما بعد، لتبقى سوليداد وحدها المسجونة وهي في السجن كانت دائما ما ترسل رسائل حب وشعر لحبيبتها تحدثها فيها عن الحرية والوطن والثورة والعدالة والحب الابدي الصافي رسائل اقل ما يقال عنها ساحرة وجد معبرة فقد أبدع فيها الكاتب فعلا في إيصال رسالته..

المسؤول الدولي في البنك الدولي غونتر بعد سماعه المتأخر لخبر اعتقال ابنة سيفعل المستحيل لإطلاق سراحها رغم رفض هذه الأخيرة تدخل أي شخص، إلا ان جميع محاولاته الأولى باءت بالفشل وهنا ستكشف لما الرواية كيف يكون الاعتقال والمحاكمات في الأنظمة المستبدة حيث ان الفتاة لم تعرض لأي محاكمة ولا دليل يدينها بل لا يسمحون حتى بزيارة أهلها لها ناهيك عن التعذيب الذي تعرضت له.

في استمراره في محاولاته سيتمكن أخيرا “غونتر” في لقاء أحد الجنرالات الكبيرة، هذا الجنرال الذي بعد جلسة استماع له سيقرر أخيرا التدخل لإطلاق سراحها، هذا ما سيحدث وهنا الخبر المؤلم، “سوليداد” ستخرج فعلا لكنها ستخرج في تابوت، جثة هامدة من مركز البوليس وليس واقفة على رجليها، حيث أنها توفيت جراء الإهمال والتعذيب البشع الذي تعرضت له، السلطات ستسلم الجثة لكن مع أمرها بعدم فتح التابوت بل بحتى عدم تشريح الجثة، بهذا أصبحت أصبحت رمزا للتحرر وللحركة الطلابية اليسارية في باراغواي، في حين الصحف الرسمية وهي الصحف الوحيدة المسموح لها بالصدور ستعتبر ان موتها كان طبيعي رغم كل المعاملة الجيدة التي لقاتها في السجن وزيارة امهر الأطباء لها (امر الجلادين في الحقيقة)،

الجنرال “غونزالس” بعد سماعه الخبر سيقرر الانتحار بعد حزنه بوفاة سوليداد وإحساسه انه باع الوهم لعائلتها.

المؤلف ” خوان مانويل ماركوس ” مؤلف هذا الرائعة والتي تعتبر من أروع الاعمال الادبية اللاتينية في العقود الأخيرة، واجه السجن والنفي والتعذيب، عند انتهاء الديكتاتورية في بارغواي عام 1989 عاد إليها بعد تركه منصب استا جامعي في كاليفورنيا الامريكية، مؤسسا هناك “جامعة الشمال” رحب فيها بالمثقفين/ات التقدميين/ات والمقاومين/ات الملاحقين/ات من حكامهم الطغاة، هذه الجامعة تعتبر الان أكبر الجامعات في البلد.

اقتباس مقتطف:

” انتزعوا عينيه، لكنه بقي ينظر للنجوم. سلخوا شفتيه، لكنه بقي يعطي القبلات. قطعوا ساعديه لكنه بقي يعانق إخوته في الملعب. قطعوا يديه، لكنه بقي يعزف القيثارة. انتزعوا صوته ولسانه ولغته ولكنه بقي يغني ويغني ويغني…

يمكن تعذيب المرء، يمكن قتله في شهر أو فيما يليه، يمكن تقييده بالسلاسل وإبعاده عن ذويه، وحرمانه من الحياة ونفيه ومنعه وإنكار اسمه عليه، وتشويه سمعته، لكننا لا نستطيع إجباره على أن يكره إن لم يكن هو يريد” ص:224

 ” كيف. ألا تعي بأن الديكتاتورية تسود هنا، وحيث تسود لا وجود لدولة القانون. ماذا تظن أن باستطاعة المحامين أن يفعلوا؟.. اعلم جيدا إن كنت تعتقد أنه بالإمكان إطلاق سراحها باعتماد القانون أنت مخطئ، لقد سجن الحاكم الأبدي ابنة أختك، وسيطلق سراحها عندما يحلوا له..” ص:273

“لو تسنى لها الوقت لواصلت كتفا إلى كتف مع الآخرين الكفاح من أجل حرية الإنسان، سواء بالكلمة أو البندقية، في بلدنا لو أراد الإنسان الحب لوجب عليه أن يكون ثوريا، لأن هذا ليس ممكنا بساطة دون أن نغير كل شيء.” ص 316

” لم يكن بمقدوري فهم السياسيين، الذين يضحون بعمرهم كله في سبيل الوصول لكرسي ولنعزف لهم الأناشيد أينما ذهبوا خلال بضع سنين. أظن أن بإمكان المرء أن يشعر بالاكتفاء لكونه مواطنا فردا بين 400 مليون من المواطنين في أمريكا اللاتينية، وذلك أكثر منه رئيسا لإحدى جمهورياتها الصغيرة الهشة. لكني أعود للبارغواي لأنه وطني، والأفضل أن اختم كلامي قبل أن يهطل المطر. ص:324

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا