بقلم: عبد الله الحريف
ينتقد البعض تركيز الصراع، الآن وهنا، على المخزن ونواته الصلبة المافيا المخزنية، على اعتبار أن المخزن تصنيف مطاطي وفضفاض للتعويم والتعتيم ويجب الكلام عن النظام الملكي لأنه المتحكم في كل شيء.
كلام جميل و "ثوري" جدا. لكن الثورية لا تتحدد بإطلاق شعارات "ثورية" مجردة نرضي بها ذواتنا وطموحاتنا الثورية، بل طرح الشعارات التي من شأنها جمع أوسع قوة شعبية، في ظرف ملموس ومحدد لإنجاز خطوة على طريق التغيير الجذري دون أن تشكل عرقلة أمام المشروع التغييري الثوري. أعتقد أن تركيز الصراع على المخزن، وأساسا نواته الصلبة، تكتيكا سديدا من شأنه جمع قوة شعبية وازنة وخلق تناقضات وسط الكتلة الطبقية السائدة وبينها والمافيا المخزنية. إن الشعارات الثورية بدون شعارات تكتيكية سديدة تؤدي إلى العجز والإحباط.
وليس غريبا أن يتلاقى، من حيث لا يحتسب، الطرح السابق مع طرح بعض العناصر اليمينية المتنفذة في الحزب الاشتراكي الموحد التي تصرح، على رأس الأشهاد،" أنها ليست ضد المخزن.
وللمزيد من التوضيح، أعيد نشر مقالين في الموضوع.
المافيا المخزنية: ألد وأشرس عدو للشعب المغربي
ان المخزن نظام استبدادي قائم على الجمع بين مؤسسات عصرية منتخبة(البرلمان والجماعات المحلية) لا تتمتع بسلطات فعلية وحقيقية وبين مؤسسات غير منتخبة وغير خاضعة للمحاسبة الشعبية (الملك، أمير المؤمنين ورمز وحدة البلاد، ومستشاريه ووزارة الداخلية وأعوانها من شيوخ ومقدمين وقياد…) تتمتع بصلاحيات وسلطات حقيقية وواسعة.
ومن أهم خصائص المخزن ما يلي:
– على المستوى السياسي: نظام للحكم الفردي المطلق، يقوم على استغلال الدين لتبرير وتعزيز شرعيته، يعتبر المحكومين مجرد رعايا وليسوا مواطنين ومن تم فهم ملزمون بالسمع والطاعة ولا أحقية لهم في مراقبته ومحاسبته لأنهم في نظره ليسوا مصدرا لشرعيته،نظام يعتمد لترسيخ هيبته على طقوس مهينة ومبنية على الأبهة والإبهار وكذا على الاستبداد،نظام يرفض أية تعددية سياسية حقيقية لأنه لا يقبل بتواجد أية مشاريع سياسية خارج مشاريعه، نظام يشجع الانتهازية يعتمد على إفساد النخب واستقطابها لإدماجها في نظامه الإداري والسياسي، ويعتبر أية معارضة حقيقية مثارا للفتنة ومن تم فهو يعتمد القمع والتسرب والاختراق والتلغيم وتقسيم الأحزاب والهيئات المعارضة، كما يخلق الأحزاب والهيئات الموالية ويدفع بها لتصدر المشهد السياسي، نظام للتحكم في آليات السلطة، نظام يوظف الإدارة للقهر والتركيع، ويستخدم الأعيان لبسط سيطرته ونفوذه و لمواجهة خصومه وأعداءه السياسيين، نظام يؤثث المشهد السياسي بلعبة سياسية يتحكم فيها، نظام لديمقراطية الواجهة وديمقراطية الأسياد، نظام أغلق الحقل السياسي، نظام يهين كرامة الإنسان ويلغي حريته.
أما نواته الصلبة المافيا المخزنية- والتي تتشكل من كبار المسئولين الأمنيين والعسكريين والقضائيين والإداريين والسياسيين والدينيين ورجال الأعمال وكبار مقاولي "المجتمع المدني" الرسمي وبعض كبار المسئولين النقابيين وغيرهم…- ممن لهم نفوذ وسلطة، فتتحكم في جزء هام من الاقتصاد الوطني بواسطة مختلف أنواع الرشوة والريع والاحتكار والممارسات ذات الطابع المافيوي:
–التحكم في موارد الدولة واستعمال جزء منها لتقوية موقعها الاقتصادي
–التحكم في القطاع العمومي المنجمي( الفوسفاط) والمالي( صندوق الإيداع والتدبير بالأساس) ومن خلاله التحكم في العديد من المشاريع الصناعية والسياحية والسكنية وغيرها واستعماله كصناديق سوداء لا تخضع للمراقبة والمحاسبة.
–الرشاوى على صفقات الدولة،خاصة في المشاريع الكبرى
–التحكم في التراخيص المختلفة( الصيد البحري، المقالع، النقل) والاستفادة منها مباشرة( الضباط السامون، كبار المسئولين الإداريين والأمنيين) أو منحها للأثرياء مقابل رشاوى.
–المساهمة في الشركات الكبرى مقابل الحماية أو الاستفادة من امتيازات جمركية أو ضريبية وهي ممارسة مافيوية بامتياز.
–حماية الاقتصاد ذي الطابع الإجرامي: إنتاج وتجارة المخدرات، وخاصة تصديرها، وتهريب البضائع و الأموال إلى الخارج ونحو الجنات الضريبية، وذلك إما من طرف نافذين كما تبين في قضية بانما بيبارز أو مقابل رشاوى بالنسبة للأثرياء من خارج المافيا المخزنية.
–الاحتكار الذي يتم التنظير له بضرورة التوفر على "أبطال وطنيين" والذي يتقوى ويمس عددا من القطاعات: التجارة الداخلية( مرجان و أسيما)، الاتصالات( "اتصالات المغرب"، "مديتيل" و"انوي")، البنوك وقطاع البناء وغيرها.
–الريع الذي يكتسي أشكالا مختلفة( تراخيص الصيد والمقالع والنقل، تفويت أراضي فلاحية أو في المجال الحضري بأثمان بخسة…).
ومن الواضح أن استمرار ونمو المصالح الاقتصادية للمافيا المخزنية يتم على حساب الأغلبية الساحقة للشعب المغربي، بما في ذلك البرجوازية الكبيرة الغير مندمجة في هذه المافيا. ومن البديهي أيضا أن الكلام عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجالية مجرد كلام فارغ في ظل هيمنتها. وبسبب مراكمة هذه المافيا للثروة بفضل مواقعها في السلطة وبشكل لا شرعي ولا مشروع، فإنها ستدافع حتى آخر رمق على نفوذها وامتيازاتها الضخمة وبالتالي فإنها تشكل ألد وأشرس عدو لشعبنا يجب أن توجه كل الطاقات للشعب المغربي وقواه الحية من أجل عزلها واسقاطها.
كيف نواجه المافيا المخزنية؟
المافيا المخزنية لا يمكن أن تترعرع إلا في ظل نظام استبدادي وفاسد لأنه الضامن لاستمرارها واستمرار اضطهادها وقمعها للشعب وافتراسها للخيرات الوطنية واستغلالها المكثف للطبقة العاملة وعموم الكادحين. لذلك تواجه بقوة أية محاولة جدية لبناء نظام ديمقراطي حقيقي وتستعيض عنه بديمقراطية مزيفة وصورية تشرعن للاستبداد والحكم الفردي المطلق.
فالديمقراطية الحقيقية تعني من بين ما تعني:
–السلطة والسيادة للشعب بينما تسعى المافيا المخزنية للحفاظ على جوهر السلطة في يدها، وذلك بواسطة دستور لا ديمقراطي يشرعن لاحتكارها لكافة السلط العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية ولعبة سياسية لا رهان ولا طعم ولا جدوى لها ومؤسسات "ديمقراطية" شكلية لا تمثل الشعب المغربي بل تكرس الاستبداد والقهر.
–ربط المسئولية بالمحاسبة وهو ما ترفضه وتواجهه المافيا المخزنية: عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها وهو ما حاربته المافيا المخزنية بكل ما أوتيت من قوة. وكمثال مناهضتها الشرسة للمحاسبة على جرائمها السياسية وفرضها، عمليا، اقتصار مقاربة جبر الضرر بالنسبة لضحايا الانتهاكات الجسيمة على الجانب المادي في إطار "هيئة الإنصاف والمصالحة". وفيما يخص الجرائم الاقتصادية، اختزال المسئولية عن الاختلاسات الهائلة التي أوصلت العديد من المؤسسات العمومية إلى حافة الإفلاس في بعض المدراء المرتشين والسكوت عن كون الوضع الكارثي لهذه المؤسسات ناتج عن كون المافيا المخزنية تعتبرها صناديق سوداء تتصرف فيها كما تشاء. وذهب بن كيران في نفس الاتجاه حين قال "عفا الله عما سلف" في حق مهربي الأموال للخارج وحين اقتصرت مواجهته لاقتصاد الريع على نشر أسماء بعض الحاصلين على كريمات النقل بينما ظل المستفيدون الكبار من الريع( رخص الصيد في أعالي البحار مثلا) ينعمون بمأذونياتهم.
–احترام حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية بينما المافيا المخزنية تمتهن كرامة الإنسان وتدوس على حقوقه، بما في ذلك حقه المقدس في الحياة، وتقمع و تضيق على أبسط الحريات، إما بواسطة القوانين الرجعية أو القوة العمومية، كحرية التعبير( استعمال كل الوسائل لتدجين الصحافة الورقية والإلكترونية، احتكار الإعلام السمعي-البصري العمومي الممول بأموال الشعب أو الخاص بواسطة التحكم في الإشهار) والتنظيم والتظاهر. والأمثلة لا تعد ولا تحصى في هذا المجال. أما انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فحدث ولا حرج.
إن المافيا المخزنية أسست وكرست استبدادها وتغولها بواسطة احتكارها للسلطة التأسيسية مما مكنها من وضع دساتير لا تمت للديمقراطية بصلة. وتجربة الدساتير الممنوحة منذ 1962 خير برهان على ما نطرح. كما أنها مارست استبدادها واضطهادها للشعب بواسطة هيمنتها على الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية والسياسية والاقتصادية والحزبية والدينية والإعلامية المخزنية.
إن أمضى سلاح في مواجهة المافيا المخزنية هو النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية. الشيء الذي يتطلب:
–نزع السلطة التأسيسية من المافيا المخزنية: السلطة التأسيسية في يد الشعب.
–تفكيك الأجهزة المخزنية الحالية: ولعل أول خطوه في هذا الاتجاه هي إخضاع المسئولين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان للمحاسبة. ولذلك يكتسي شعار عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها أهمية وراهنية كبيرتين.
–الدفاع المستميت على حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، وخاصة حرية التنظيم والتعبير والتظاهر والاحتجاج. لقد انتزع شعبنا بنضاله حقه في الاحتجاج في الشارع وتوفر له أدوات التواصل الاجتماعي إمكانيات هامة للتعبير عن همومه ومطالبه ومطامحه وللتواصل. ويجب الدفاع على هذه الحقوق والحريات والسعي إلى توسيعها في مواجهة محاولات النظام التراجع أو الالتفاف عليها.
لقد أظهرت التجربة استحالة هزم هذه المافيا بواسطة العمل في المؤسسات التمثيلية وبينت، في المقابل، إمكانية تحقيق بعض الانتصارات بالنضال من خارجها. لذلك من واجب كل الديمقراطيين وكل الغيورين على مصلحة الشعب الانخراط، بقوة وحماس، في الانتفاضة الشعبية ضد الحكرة والمخزن ومن أجل الحرية والكرامة والديمقراطية التي فجرها استشهاد محسن فكري وبلورة الخطط الكفيلة بالحفاظ على جذوتها وتوسعها وتطورها.