يعيش المغرب اليوم أزمة اجتماعية واقتصادية تعمّقت بفعل سياسات أدت إلى تفاقم الفوارق الطبقية وسوء توزيع الثروة. يعاني البلد من ارتفاع معدل البطالة إلى 13.7% في الربع الأول من عام 2024، مع معدلات أعلى بكثير بين الشباب، حيث وصلت إلى 35.9%. هذه النسبة تعكس واقعاً مريراً يواجهه الشباب في سعيهم للحصول على فرص عمل، خصوصاً في المناطق القروية التي تأثرت بشدة بسبب موجات الجفاف التي ضربت القطاع الفلاحي، مما أدى إلى فقدان الآلاف من فرص الشغل وإجبار العديد من الشباب على الهجرة نحو المدن أو حتى المخاطرة بحياتهم في محاولات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا.
ترافق هذه الأزمة الاقتصادية أزمة تعليمية تتجلى في ارتفاع نسب الهدر المدرسي والجامعي. آلاف التلاميذ والطلبة يغادرون مقاعد الدراسة سنوياً، إما بسبب الفقر أو لانعدام جودة التعليم أو لغياب آفاق واضحة بعد التخرج. هذا التراجع في مستوى التعليم يجعل الشهادات الجامعية أقل قيمة في سوق العمل، ما يزيد من احتمالات البطالة والاندماج في العمل غير المهيكل، الذي لا يوفّر شروط العمل اللائق.
إن هذه الأزمات المترابطة ليست مجرد نتيجة لأخطاء فردية أو ظرفية، بل هي انعكاس لبنية اقتصادية قائمة على الاستغلال وتهميش الأغلبية لفائدة أقلية. السياسات النيوليبرالية التي انتهجتها الدولة منذ عقود، والتي أدت إلى تخليها عن دورها الاجتماعي وتقليص نفقات القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة، وضعت المجتمع في حالة هشاشة مستمرة. هذا التوجه دفع إلى الاعتماد أكثر على الاستثمارات الأجنبية المبنية على شروط غير عادلة، والتي لم تسهم إلا في تعميق التبعية الاقتصادية، وتقويض إمكانية بناء اقتصاد وطني يخدم مصالح الشعب.
في هذا السياق، نشهد قمعاً متزايداً لكل الأصوات التي ترفع مطالب مشروعة بالدفاع عن التعليم العمومي وحق العمل والحياة الكريمة. من بين هذه الأمثلة، الاحتجاجات الأخيرة لطلبة الطب، الذين واجهوا قمعاً شرساً بسبب تنظيمهم لإضرابات واعتصامات سلمية تطالب بتحسين ظروف التكوين ورفض خصخصة التعليم الطبي. بالإضافة إلى ذلك، ما حدث في الفنيدق يوم 15 شتنبر، حين خرج الشباب للتعبير عن استيائهم من غياب فرص العمل بعد إغلاق المعبر الحدودي مع سبتة، فكان الرد بالقمع والترهيب.
لا يمكن فهم هذه الأزمات دون ربطها بالسياق الدولي وبالدور الذي تلعبه القوى الإمبريالية في فرض سياسات اقتصادية تخدم مصالحها على حساب شعوب الجنوب. فالاتفاقيات التجارية غير المتكافئة، والديون الخارجية التي تُثقل كاهل الميزانية، والشروط المفروضة من المؤسسات المالية الدولية، كلها عوامل تساهم في تدمير النسيج الاقتصادي والاجتماعي، وتجعل البلاد عرضة للتقلبات الاقتصادية والأزمات المتتالية.
في ظل هذه الأوضاع، يجب التفكير في بدائل واقعية تُعيد للشباب دورهم المركزي في النضال من أجل التغيير. هذا التغيير لن يكون ممكناً إلا عبر بناء جبهة شبابية واسعة، تضع في أولوياتها توحيد مختلف الحركات الاجتماعية والطلابية، وتصعيد النضال ضد السياسات النيوليبرالية، والمطالبة بسياسات اقتصادية وطنية تُعيد الاعتبار للقطاعات الإنتاجية وتوفر فرص عمل حقيقية. يجب أن يكون التركيز على خلق شبكة تضامن بين الطلبة والعاطلين عن العمل، وبين النقابات والعمال، وبين سكان المدن والمناطق القروية، لتشكيل قوة ضاغطة قادرة على مواجهة سياسات التهميش والإفقار. هذه الجبهة الشبابية يجب أن تناضل كذلك من أجل ديمقراطية حقيقية، حيث تكون للطبقات الكادحة القدرة على التأثير في القرار السياسي، وحيث تُلغى كل أشكال القمع والتمييز التي تطال كل من يطالب بحقوقه الأساسية.
من الضروري أيضاً أن تعمل هذه الجبهة على توعية الشباب بأهمية الانخراط في النضال السياسي، ليس فقط من أجل تحسين الأوضاع المعيشية، بل من أجل بناء مجتمع يقوم على العدالة والمساواة، مجتمع لا تُستغل فيه طاقة الشباب لخدمة أجندات اقتصادية تخدم رأس المال، بل تُوجه لبناء اقتصاد وطني مستقل ومزدهر.
توحيد الجهود والتنسيق بين الحركات المختلفة هو السبيل الوحيد للتصدي لسياسات التفقير والتهميش. يجب على هذه الجبهة الشبابية أن ترفع شعار الوحدة، ليس كشعار فضفاض، بل كممارسة يومية تشمل كل الفئات المتضررة، وتشركهم في صنع القرارات النضالية، وتخلق فضاءات حوارية تضمن أن يكون صوت الجميع مسموعاً. بهذه الطريقة، يمكن تجاوز حالة الإحباط والتشتت، ووضع أساس حقيقي لنضال طويل الأمد من أجل تغيير جذري في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب.
إن بناء جبهة شبابية من أجل التغيير هو ضرورة ملحة، في ظل هذا الوضع الذي أصبح لا يُطاق. ما يحتاجه المغرب اليوم هو حركة شبابية واعية وقوية، قادرة على فرض إرادتها وصياغة مستقبلها بعيداً عن الإملاءات الإمبريالية، مستقبل يضمن حق الجميع في العيش الكريم والتعليم الجيد والعمل اللائق.