لعل من أخطر المعارك التي تخوضها الرأسمالية ضد الشعوب معركة الأفكار. وترتكز هذه المعركة إلى السعي إلى إقناع الشعوب أن “ليس هناك بديل” كما طرحت ذلك ماركريت تاتشر, وهي تعني بذلك لا بديل عن الرأسمالية.
والخطير في الأمر أن أغلب القوى اليسارية استبطنت هذه المقولة حيث أنها، حتى حين تتكلم عن الاشتراكية، فإنها لا تربطها بالقضاء على الرأسمالية، بل تختزلها فقط في العدالة الاجتماعية والديمقراطية و… وكأن العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية ممكنة في ظل الرأسمالية التي تقوم، بالعكس، على الاستغلال والفوارق الطبقية ونهب الخيرات الطبيعية والحروب، بل إنها فاقمت الفوارق الطبقية إلى أقصى الحدود وميعت الديمقراطية التي أصبحت مجرد لعبة انتخابية تتحكم فيها الرأسمالية من خلال آلتها الدعائية الاخطبوطية وسيطرتها الاقتصادية، بل لجوئها، حين تفقد تحكمها، إلى مختلف أشكال الحرب العنيفة كما في سوريا أو الناعمة كما في فينزويلا مثلا( الحصار، العقوبات الاقتصادية، محاولات اختراق الجيش والقيام بمحاولات انقلابات العسكرية…).
تناضل الشعوب ضد الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة للرأسمالية على حياتها. غير أن النتائج، غالبا، ما تكون محبطة لأن نضالها لا ينصب على المصدر الحقيقي لتعاستها ومعاناتها( الرأسمالية). هكذا تخسر الشعوب وقوى اليسار معاركها التكتيكية ضد الرأسمالية لأنها لا تربطها بمعركتها الإستراتيجية التي هي القضاء على الرأسمالية وبناء الاشتراكية. هكذا فإن أحد أهم أسباب الضعف المزمن لليسار يكمن في كون أغلب مكوناته لم تعد مؤمنة بضرورة تجاوز الرأسمالية وبالتالي ضرورة العمل المكثف والطويل النفس من أجل استرجاع الاشتراكية، كبديل للرأسمالية وليس كنوع من أنواع الاشتراكية الديمقراطية، بريقها واسترجاع الطبقة العاملة، باعتبارها موضوعيا الطبقة النقيض للبرجوازية ، دورها الحاسم في الصراع من أجل القضاء على الرأسمالية وبناء الاشتراكية. وهو ما يتطلب أن يصبح بناء أدوات الصراع الطبقي للطبقة العاملة( النقابة لقيادة معاركها الاقتصادية والحزب والجبهة لقيادة معاركها السياسية والفكرية) مهمة مركزية وآنية لا تقبل أي ارتخاء أو تأجيل.
إن ربح هذه المعركة يتطلب ما يلي:
– العمل المستمر لفضح ألاعيب الرأسمالية للحفاظ على هيمنتها وتعرية ديمقراطيتها التي هي في الواقع دكتاتورية الطبقة السائدة البرجوازية ورأس رمحها الرأسمال المالي الاحتكاري الذي فهم أن ديمقراطيته المرتكزة إلى تناوب شكلي بين يمين و”يسار” اشتراكي-ديمقراطي قد شاخت ويعوضها بشعبوية يمينية شبه فاشستية توهم الشعوب أن مصدر شقائها هو الآخر الضعيف( المهاجر، الأقليات الاجتماعية أو الدينية…) والأحزاب الفاسدة وأن الخلاص سيأتي من قائد ملهم قوي. وقد تقبل أيضا، إذا فرض ميزان القوى ذلك، بالشعبوية اليسارية التي تريد تجاوز الأحزاب وتركز على القائد الفذ وترى الخلاص في العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة دون المساس بالرأسمالية. وهي بذلك تزرع الأوهام وسط الجماهير والتي تؤدي الشعوب ثمنها غاليا.
– التصدي للقيم البرجوازية (الفردانية، الجشع، المنافسة الغير شريفة، هوس الاستهلاك…) وتسييد بدلها قيم التضامن والتعاون والعمل الجماعي والأممية، هذه القيم التي تقضي على الاستيلاب.
– القيام بتقييم موضوعي لتجارب بناء الاشتراكية يفند إدعاء المفكرين البرجوازيين أن الاشتراكية غير قابلة للحياة وتبيان أن شروطا موضوعية وذاتية محددة هي التي أدت إلى هذا الفشل المؤقت.