الاشتراكية والدين . لينين 

كتبه user B

ترجمة سعيد العليمى
الاشتراكية والدين ف . ا . لينين 

المصدر :  الاعمال الكاملة ، المجلد العاشر ، ص ص 83 – 87 ، دار التقدم ، موسكو ، 1965 . ( الطبعة الانجليزية )
ان مجتمع اليوم مؤسس كليا على استغلال اوسع جماهير الطبقة العاملة من جانب قلة ضئيلة من السكان ، طبقة ملاك الارض والرأسماليين . وهو مجتمع عبودى ، مادام العمال " الاحرار" الذين يعملون طوال حياتهم من اجل الرأسماليين لا " استحقاقات " لهم سوى وسائل العيش الضرورية لإبقائهم عبيدا ينتجون ربحا ، من اجل حماية وادامة العبودية الرأسمالية .
يسبب القمع الاقتصادى للعمال بشكل حتمى ويولد كل انواع القمع السياسي ، والإذلال الاجتماعى ، تبليد واظلام حياة الجماهير الروحية والاخلاقية . قد يؤمن العمال درجة اكبر اواقل من الحرية السياسية لللكفاح من اجل التحرر الاقتصادى ، ولكن مهما كان قدر الحرية فلن يخلصهم من الفقر والبطالة ، والقمع الى ان يطاح بسلطة رأس المال . الدين احد اشكال القمع الروحى الذى ينيخ بوطأته على جماهير الشعب ، المثقلة فوق طاقتها بعملها الدائم من اجل الآخرين ، وبالعوز والعزلة . ان عجز الطبقات المستغلة فى صراعها ضد المستغلين يؤدى بشكل حتمى تماما للاعتقاد فى حياة افضل بعد الموت كما ان عجز البدائى فى معركته ضد الطبيعة يولد الاعتقاد فى الآلهة ، والشياطين ، وماشابه . ان هؤلاء الذين يكدحون ويعيشون فى فاقة طوال حياتهم يعلمهم الدين ان يكونوا خاضعين وصبورين وهم فى الحياة الدنيا ، وان يجدوا السلوى فى امل المكافأة الالآهية . اما هؤلاء الذين يعيشون على عمل الآخرين فيعلمهم الدين ان يقوموا باعمال البر والاحسان فى الحياة الدنيا ، وهكذا يقدم طريقة رخيصة لتبرير كامل وجودهم كمستغلين ويبيعهم بسعر معقول تذاكر التمتع بنعيم السماء . الدين افيون الشعب . الدين احد انواع المشروبات الروحية ، التى يغرق فيها عبيد رأس المال صورتهم الانسانية ، وتطلعهم لحياة جديرة بالانسان لهذا الحد او ذاك .
ولكن العبد الذى اصبح واعيا بعبوديته ونهض للنضال من اجل تحرره قد كف بالفعل عن ان يكون نصف عبد . ان العامل الحديث الواعى طبقيا الذى ترعرع على منشأة صناعة الانتاج الكبير ، ونورته الحياة الحضرية يضع جانبا بازدراء التحيزات الدينية ، ويدع السماء للكهنة والمتعصبون البورجوازيون ، ويحاول ان يكسب حياة افضل هنا على الارض . تنحاز بروليتاريا اليوم الى الاشتراكية ، التى تجند العلم فى المعركة ضد ضباب الدين ، وتحرر العمال من اعتقادهم فى الحياة الاخرى بعد الموت بصهرهم معا حتى يقاتلوا فى الحاضر من اجل حياة افضل على هذه الارض .
يجب ان يعتبر الدين شأنا خاصا . بهذه الكلمات يعبر الاشتراكيون عن موقفهم ازاء الدين ولكن يجب تحديد معنى هذه الكلمات بدقة حتى نمنع اى سوء فهم لها . نحن نطلب ان يعتبر الدين شأنا خاصا لاعلاقة للدولة به ، لكن هذا لايعنى ان بامكاننا ان نعتبر الدين شأنا خاصا بالنسبة لحزبنا . لايجب ان يكون الدين شأنا من شؤون الدولة ، ولابد للجمعيات الدينية من الايكون لها صلة بالسلطة الحكومية . يجب ان يكون كل احد حرا فى ان يعلن ايمانه بأى دين يرغبه ، او الا يؤمن بدين ، اى ، ان يكون ملحدا ، كما هو حال الاشتراكى ، كقاعدة . التمييز بين المواطنين على اساس الاعتقاد الدينى امر مرفوض كليا . وحتى مجرد ذكر دين المواطن فى الوثائق الرسمية يجب ان ينتهى دون جدال . ولاينبغى ان تمنح معونات للكنيسة القائمة ولااعتمادات مالية من الدولة للجمعيات الكهنوتية والدينية . ولابد ان تكون هذه جمعيات حرة تماما تتشكل من مواطنين متماثلين عقائديا ، جمعيات مستقلة عن الدولة . التحقيق التام لهذه المطالب فحسب هو الذى يمكن ان يضع نهاية للماضى المخزى البغيض حين عاشت الكنيسة حالة تبعية اقطاعية على الدولة ، وعاش المواطنون الروس حالة تبعية اقطاعية على الكنيسة القائمة ، حينما كانت القوانين القروسطية المنسوبة لمحاكم التفتيش ( ومازالت قائمة حتى اليوم فى تشريعاتنا الجنائية وفى كتبنا القانونية ) موجودة ومطبقة ، تضطهد البشر بسبب اعتقادهم او عدم اعتقادهم ، منتهكة الضمير الانسانى ، حيث ينعم بالوظائف الحكومية المريحة من يوزع هذا المخدر او ذاك بواسطة الكنيسة القائمة . ماتطلبه البروليتاريا من الدولة الحديثة والكنيسة الحديثة هو الفصل التام بين الكنيسة والدولة . 
على الثورة الروسية ان تنفذ هذا المطلب بوصفه مكونا ضروريا من مكونات الحرية السياسية . وفى هذا الصدد فان الثورة الروسية بصفة خاصة فى وضع افضل مادامت ( الدواوينية ) الرسمية المتمردة للاتوقراطية الاقطاعية التى تهيمن عليها الشرطة قد اثارت السخط ، وعدم الاستقرار والنقمة حتى فى صفوف الكهنوت . ايا ماكان الكهنوت الاورثوذكسي الروسي ذليلا ، وجاهلا ، فقد ايقظهم الآن رعد سقوط النظام القديم فى روسيا . حتى انهم قد انضموا لمطلب الحرية ، ويحتجون ضد الممارسات البيروقراطية والدواوينية ، ضد نظام التجسس المفروض لصالح الشرطة على " خدام الرب " . علينا نحن الاشتراكيين ان نقدم الدعم لهذه الحركة وان نحمل مطالب اعضاء الكهنوت الشرفاء والمخلصون لاعضاء لنهايتها ، وجعلهم يلتزمون بكلمتهم بشأن الحرية ، ونطلب منهم ان يقطعوا بشكل حازم كل الصلات بين الدين والشرطة . اما انك مخلص ، وفى هذه الحالة عليك ان تقف فى صف الفصل الكامل بين الكنيسة والدولة والمدرسة والكنيسة ، وان يعلن الدين كلية وبشكل مطلق شأنا خاصا . واما انك لاتقبل هذه المطالب المتماسكة من اجل الحرية . وفى هذه الحالة يكون من الجلى انك مازلت اسيرا لتقاليد محاكم التفتيش ، ويعنى هذا بوضوح انك مازلت تميل لان تتنعم فى الوظائف الحكومية المريحة والدخول المنهوبة ، وهذا يعنى بوضوح انك لاتؤمن بالقوة الروحية لسلاحك وتواصل اخذ الرشاوى من الدولة . وفى هذه الحالة سوف يعلن العمال الواعين طبقيا فى عموم روسيا عليكم حربا بلا رحمة .
والى الحد الذى يعنى حزب البروليتاريا الاشتراكية ، فان الدين ليس قضية خاصة . ان حزبنا هو جمعية للعمال الواعين طبقيا ، مقاتلون متقدمون من اجل تحرير الطبقة العاملة . جمعية كهذه لايمكنها ولايجب ان تكون غيرمبالية ازاء الافتقار للوعى الطبقى ، والجهل ، او الظلامية فى شكل العقائد الدينية . نحن نطلب تجريد الكنيسة من طابعها المؤسسي حتى نكون قادرين على مكافحة الضباب الدينى باسلحة ايديولوجية محضة وايديولوجية فحسب ، اى بواسطة الصحافة والكلمة المنطوقة . ولكننا اسسنا جمعيتنا حزب العمال الاشتراكى الديموقراطى تحديدا لمثل هذا الصراع ضد كل خداع دينى للعمال . وبالنسبة لنا فان الصراع الايديولوجى ليس شأنا خاصا ، ولكن شأن كل الحزب ، بل كل البروليتاريا . 
اذا كان الامر كذلك لم لانعلن فى برنامجنا اننا ملاحدة ؟ لم لانمنع المسيحيين والمؤمنين بالله الآخرين من الالتحاق بحزبنا ؟ 

سوف تخدم الاجابة على هذا السؤال فى ايضاح الاختلاف الهام جدا فى الطريقة التى تعرض بها مسألة الدين من قبل البورجوازيين الديموقراطيين والاشتراكيين الديموقراطيين . 
ان برنامجنا مؤسس كليا على النظرة العلمية وبالأحرى المادية للعالم . لذلك يتضمن تفسير برنامجنا بالضرورة تفسير الجذور الحقيقية التاريخية والاقتصادية للضباب الدينى . وتتضمن دعايتنا بالضرورة الدعاية للالحاد ، وطباعة الادب العلمى المناسب ، الذى منعته واضطهدته حتى الآن الحكومة الاقطاعية الاوتوقراطية بصرامة ، وعليه لابد ان يشكل هذا الآن واحدا من مجالات عملنا . وربما كان يتعين علينا ان نتبع نصيحة انجلز التى اعطاها ذات مرة للاشتراكيين الالمان وهى : ان يترجموا وينشروا على نطاق واسع ادب القرن الثامن عشر التنويرى والالحادى *. 
ولكن لاينبغى ان نقع تحت اى ظرف فى خطأ طرح المسألة الدينية بطريقة مثالية مجردة ، بوصفها مسألة "فكرية " منفصلة عن الصراع الطبقى مثلما يحدث كثيرا من الديموقراطيين الراديكاليين المنحدرين من اوساط البورجوازية . سيكون من الغباء ان نظن انه فى مجتمع مؤسس على قمع لانهاية له يتسم بتبليد الجماهير العاملة ، ان التحيز الدينى يمكن ان يزاح بوسائل الدعاية المحضة . سوف يكون من ضيق الأفق البورجوازى الصغير ان ننسي ان نير الدين الذى يثقل على البشرية هو نتاج وانعكاس فحسب للنير الاقتصادى داخل المجتمع . لايمكن لأى عدد من الكراسات ولا لكميات من الوعظ ان تنير البروليتاريا ، ان لم تستنير بصراعها الخاص ضد القوى الظلامية للرأسمالية . الوحدة فى الصراع الثورى الواقعى للطبقة المضطهدة من اجل خلق جنة على الارض هى اكثر اهمية بالنسبة لنا من وحدة الرأى البروليتارى حول الجنة فى السماء . 
لهذا السبب لانعلن ولايجب ان نعلن الحادنا فى برنامجنا ، ولهذا السبب نحن لانمنع ولاينبغى ان نمنع البروليتاريين الذين مازالوا يحتفظون بآثار التحيزات القديمة من ان يلتحقوا بحزبنا . سوف ندعوا دائما للنظرة العلمية للعالم ، ومن الجوهرى بالنسبة لنا ان " نكافح " عدم الاتساق عند تنويعات من ال "مسيحيين" . ولكن لايعنى هذا على الاقل ان توضع المسألة الدينية فى الصدارة ، حيث لاتنتمى لهذا الموضع على الاطلاق ، كما لايعنى هذا اننا سنسمح لقوى الصراع الاقتصادى والسياسي الثورى الحقيقى أن تنقسم بناء على آراء من الدرجة الثالثة او افكار لامعقولة ، تفقد على اى حال بسرعة كل اهميتها السياسية وتكنس كنفاية بحكم مسار التطور الاقتصادى ذاته . شغلت البورجوازية الرجعية ذاتها فى كل مكان فى روسيا باثارة التنازع الدينى – من اجل ان تحرف انتباه الجماهيرعن المشاكل السياسية والاقتصادية الجوهرية المهمة فعلا ، التى تحلها فى الممارسة الآن كل البروليتاريا الروسية المتحدة فى صراعها الثورى .هذه السياسة الرجعية لشق القوى البروليتارية التى تعلن تتجلى بصفة اساسية فى مذابح المائة السود ، ربما تتخذ فى الغد اشكالا اكثر خبثا . ونحن ، وكيفما كان الامر ، سوف نعارضها بهدوء ، واتساق ، وبصبر مبشرين بالتضامن البروليتارى والنظرة العلمية للعالم – تبشير بعيد عن اى اثارة لاختلافات ثانوية . 
سوف تنجح البروليتاريا الثورية فى جعل الدين شأنا خاصا ، بقدر مايتعلق الامر بالدولة . وفى هذا النظام السياسي ، الخالى من العفن القروسطى ، سوف تشن البروليتاريا نضالا عريضا ومكشوفا للقضاء على العبودية الاقتصادية ، المصدر الحقيقى للدجل الدينى للبشرية . 

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا