الصفحة الرئيسية رأي حول زيارة ماكرون للمغرب ونضال الشعب المغربي ضد الهيمنة والاستعمار

حول زيارة ماكرون للمغرب ونضال الشعب المغربي ضد الهيمنة والاستعمار

إنَّ التحديات التي تواجه المغرب اليوم على صعيد الفقر والبطالة والتهميش ليست سوى انعكاس لآثار الاستعمار ولواقع الهيمنة الاقتصادية المستمرة..

كتبه user B

أيوب حبراوي

إن زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب، في مرحلة حساسة، تعيد فتح جراح الماضي الاستعماري وتطرح تساؤلات حول مدى جدية فرنسا في مواجهة تاريخها الإمبريالي، فلا يمكن تجاهل ما تركه الاستعمار الفرنسي للمغرب من بصمات عميقة على كافة المستويات، خاصة وأنَّ الاعتذار الرسمي لم يُقدَّم للشعب المغربي عما تعرض له من معاناة ونهب على مدار عقود من الزمن، كون فرنسا ليست فقط مسؤولة عن سنوات القمع والنهب الاستعماري، بل مسؤولة أيضاً عن التداعيات التي لم تنتهِ لحد الآن على مستوى الفقر، التهميش، والظلم الاجتماعي.

حيث يظل الشعب المغربي ضحية لهذا الإرث الاستعماري الذي ساهم في إفقار وتخلف البلاد، فيما تستمر الدول الإمبريالية في ممارسة أشكال الهيمنة الحديثة عبر السياسات النيوليبرالية والاحتكارات الاقتصادية، فالمطالبة بالاعتذار الرسمي ليس مجرد مطلب رمزي، بل هو اعتراف بالجرائم التي ارتُكبت بحق المغرب وشعبه، ودعوة لتصحيح مسار التاريخ.

إن الامبريالية الفرنسية، بحججها الإنسانية الزائفة، لم تكن إلا أداة لتحقيق مصالح رأسمالية ضيقة، كانت تستنزف ثروات المغرب وتستغل موارده البشرية والطبيعية من دون أي اعتبار لكرامة هذا الشعب، ما يجعلنا في موقف نطالب فيه بإعادة الاعتبار لتاريخ المقاومة المغربية، تلك المقاومة التي واجهت آلة الاستعمار بصدور عارية، وكتبت بدمائها صفحات نضال لن يمحوها الزمن.

كما أن دعم فرنسا للكيان الصهيوني وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني هو امتداد للسياسات الاستعمارية، فالامبريالية في طبيعتها لا يمكن أن تقف مع حقوق الشعوب، بل تسعى دائماً لدعم الأنظمة التي تضمن لها استمرار السيطرة وتدفق الأرباح، وفرنسا اليوم بهذا المنطق تتحمل مسؤولية مباشرة فيما يحدث من اضطهاد للفلسطينيين، تماماً كما كانت في السابق تتحمل مسؤولية اضطهاد الشعب المغربي، ما يجعل من التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار الصهيوني، امتداد طبيعي لنضال الشعوب المضطهدة كافة ضد الهيمنة الامبريالية، ولن يكون للشعب المغربي مصلحة في التطبيع مع هذا الكيان الذي يمثل قمة الامبريالية والعنصرية، لذلك يجب أن ندرك أن الامبريالية الحديثة لا تكتفي بالسيطرة العسكرية، بل تمتد لتشمل الهيمنة الاقتصادية والثقافية، فما نراه اليوم من تدخلات في السياسة والاقتصاد الوطني ليست سوى أدوات استعمارية جديدة تحت ستار التعاون الدولي والمساعدات. وفرنسا مستمرة في دعم مصالح شركاتها الكبرى على حساب الاستقلال الاقتصادي للمغرب، وتستغل الموارد المغربية عبر اتفاقيات تجارية غير متكافئة، وتجعل من المغرب سوقاً مفتوحاً لتصريف منتجاتها والتحكم في قراره السياسي. هذه الهيمنة الاقتصادية تعرقل مسار التحرر الوطني وتبقي المغرب رهينة لرأس المال الأجنبي.

ومن هذا المنطلق، فإن المطالبة بالعدالة والتعويض لا يهدف إلى كسب تعاطف فرنسا، بل هي جزء من نضال الشعوب من أجل حقوقها المسلوبة. فالإفلات من العقاب الذي يميز الاستعمار وأذنابه يجب أن ينتهي عبر فتح ملفات الجرائم، وتحديد المسؤوليات، ومحاسبة المتورطين. وهذه ليست مجرد رغبة في الانتقام، بل هي دعوة لتحقيق العدالة ولضمان عدم تكرار هذه الجرائم، ففرنسا يجب أن تتحمل مسؤولية سياساتها الاستعمارية وتعترف بما اقترفته من جرائم بحق الشعوب، وأن يكون هذا الاعتراف مدعوماً بخطوات عملية تشمل تقديم الاعتذار، والتعويض، ودعم مسار التنمية المستقلة في المغرب.

وفي هذا السياق، إنّ النضال من أجل السيادة الوطنية لا يمكن فصله عن النضال من أجل الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. إنَّ التحديات التي تواجه المغرب اليوم على صعيد الفقر والبطالة والتهميش ليست سوى انعكاس لآثار الاستعمار ولواقع الهيمنة الاقتصادية المستمرة، لذا فإن المعركة ليست فقط معركة سياسية، بل هي أيضاً معركة اقتصادية وثقافية تهدف إلى التحرر الكامل من قبضة الامبريالية، فإحياء ذكرى النضال الشعبي ضد الاستعمار والاحتلال هو تذكير بأهمية التمسك بالمبادئ الثورية والوقوف بوجه القوى الاستعمارية الجديدة التي تسعى لتكريس التبعية واستغلال الشعوب.

وختاماً، يتوجب على الحركة الشعبية المغربية أن تكون واعية لمخاطر التبعية وأن تستمر في نضالها ضد الاستعمار الحديث، وألا تسمح بتمرير المخططات الإمبريالية تحت أي مسمى، كما يتوجب عليها دعم كافة حركات التحرر الوطني، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتبني مواقف شجاعة تفضح السياسات الامبريالية وتكشف زيف دعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتبناها القوى الكبرى لتحقيق مصالحها، فنضالنا هو نضال من أجل التحرر والاستقلال، ولن يتحقق ذلك إلا بالقطع مع كافة أشكال التبعية الاقتصادية والسياسية، وبناء مجتمع مبني على قيم العدالة والمساواة والتحرر من الاستبداد والاستغلال.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا